كتاب:أخبارالظراف والمتماجنين
المؤلف:ابو
الفرج عبد الرحمن بن علي
بن الجوزي
بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم
الحمد لله الذي قسم الأذهان فأكثر وأقل ، وصلواته على محمد أشرف نبي أرشد ودل ،
وعلى أصحابه وأتباعه ما أطل سحاب فطل وبل
أما بعد ؛ فلما كانت النفس تمل من
الجد ، لم يكن بأس بإطلاقها في مزح ترتاح به
1 - كان الزهري يقول : هاتوا من أشعاركم
، هاتوا من طرفكم ، أفيضوا في بعض ما يخف عليكم وتأنس به طباعكم
2 - وقد كان شعبة يحدث الناس ، فإذا تلمح
أبا زيد النحوي في أخريات الناس ، قال : يا
أبا زيد ! ( استعجمت دار نعم ما تكلمنا ** والدار لو كلمتنا ذات أخبار )
3 - وقال حماد بن سلمة : لا يحب الملح
إلا ذكران الرجال ، ولا يكرهها إلا مؤنثوهم
4 - عن بكر بن عبد الله المزني ، قال :
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ ، فإذا كانت الحقائق
كانوا الرجال
5 - قال قبيصة : كان سفيان مزاحا ، ولقد
كنت أجيء إليه مع القوم فأتأخر خلفهم مخافة أن يحيرني بمزاحه
6 - قال سفيان بن عيينة : أتينا مرة مسعر
بن كدام ، فوجدناه يصلي ، فأطال الصلاة جدا ، ثم التفت إلينا متبسما ، فأنشدنا : (
ألا تلك عزة قد أقبلت ** ترفع نحوي طرفا غضيضا تقول : مرضنا
فما عدتنا ** وكيف يعود مريض مريضا ) قال : فقلت : رحمك الله ، بعد هذه الصلاة هذا
! قال : نعم ! مرة هكذا ومرة هكذا
7 - قلت : وقد بلغني عن جماعة من الفطناء
والظرفاء حكايات تدل على قوة فهومهم ، فسماعها يشحذ الذهن ، وينبه الفهم ، فأحببت
أن أذكر منها طرفا
8 - وبلغني عن جماعة من المجون ما يتفرج
فيه
ومعنى المجون : صرف
اللفظ عن حقيقته إلى معنى آخر ، وذلك يدل على قوة الفطنة
فكتبت من ذلك في هذا الكتاب طرفا
وقد قسمته ثلاثة أبواب : الباب الأول
: فيما ذكر عن الرجال
الباب الثاني : فيما ذكر عن النساء
الباب الثالث : فيما ذكر عن الصبيان
والله الموفق
الباب الأول
فيما ذكر عن
الرجال قد قسمت هذا إلى خمسة أقسام : أحدها : ما يروى من ذلك عن الأنبياء عليهم
السلام
والثاني : ما يروى عن الصحابة
والثالث : ما يروى عن العلماء
والحكماء
والرابع : ما ما يروى عن العرب
والخامس : ما يروى عن العوام .
القسم الأول
فيما يروى عن
الأنبياء عليهم السلام 22 - عن محمد بن كعب
القرظيّ ، قال : جاء رجل إلى سليمان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال : يا نبي
الله ! إن لي جيراناً يسرقون إوزّي ، فنادى : الصلاة
جامعة ؛ ثمّ خطبهم ، فقال في خطبته : واحدكم يسرق إوزّة جاره ، ثمّ يدخل المسجد
والرّيش على رأسه ! فمسح رجلٌ رأسه ، فقال سليمان : خذوه ، فإنّه صاحبكم
23 - قلت : وذكروا في الإسرائيليات أنّ
الهدهد جاء إلى سليمان ، فقال : أريد أن تكون في ضيافتي ، فقال سليمان : أنا وحدي
؟ فقال : لا ! بل أنت
والعسكر ، في يوم كذا ، على جزيرة كذا ؛ فلمّا كان ذلك اليوم ، جاء سليمان و عسكره
، فطار الهدهد ، فصاد جرادةً ، فخنقها ، ورمى بها في البحر ، وقال : كلوا ، فمن لم
ينل من اللّحم نال من المرقة ؛ فضحك سليمان من ذلك وجنوده حولاً كاملاً
24 - عن أبي هريرة ، قال : قال رجل : يا
رسول الله ! إن لي جاراً يؤذيني ، فقال : ' انطلق ، فأخرج متاعك إلى الطريق '
فأنطلق ، فأخرج متاعه ، فاجتمع الناس عليه ، فقالوا : ما شأنك ؟ فقال : لي جارٌ
يؤذيني ، فذكرت ذلك للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال : ' انطلق
! فأخرج متاعك إلى
الطريق ' ، فجعلوا يقولون : اللهّم
العنة ، اللّهم اخزه ؛ فبلغه ، فأتاه ، فقال : ارجع إلى منزلك ، فوالله لا أؤذيك
25 - قال محمد بن إسحاق : لما خرج رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى بدر ، خرج هو ورجلٌ آخر تبعه ، فرأيا رجلاً ،
فسألاه عن قريش وعن محمد وأصحابه ، فقال الشيخ : لا
أخبركما حتى تخبراني من أنتما ؛ فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إذا
أخبرتنا أخبرناك ' فقال الشيخ : بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا ، فإن كان
صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا ، وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا ، فإن كان
صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا
ثم قال : ممن أنتم ؟ فقال رسول الله
[ صلى الله عليه وسلم ] : ' نحن من ماء ' وكان
العراق يسمى ماءً ، فأوهمه أنّه من العراق ، وإنّما أراد أنّه خلق من نطفة
26 - وقال الحسن البصري : جاء رجلٌ إلى
رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] برجلٍ قد قتل حميماً له ، فقال له : ' أتأخذ
الدية ؟ ' قال : لا ، قال ' أفتعفو ! ؟ ' قال : لا ، قال : ' اذهب فاقتله ' ، فلما
جاوزه ، قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إن قتله فهو مثله ' فأخبر الرجل
، فتركه
قال ابن قتيبة : لم يرد أنّه مثله في
المأثم ، إنّما أراد أنّ هذا قاتلٌ وهذا قاتلٌ ، إلاّ أنّ الأوّل ظالمٌ والثاني
مقتص
27 - قال خوّات بن جبير : نزلت مع رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] مرّ
الظهران ، فخرجت من خبائي ، فإذا
نسوةٌ يتحدّثن ، فأعجبنني ، فرجعت ، فأخرجت حلةٌ لي من عيبتي ، فلبستها ، ثم جلست
إليهن ، وخرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من قبته ، فقال : ' أبا عبد الله !
ما يجلسك إليهنّ ؟ ' قال : فهبت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقلت : يا
رسول الله ! جملٌ لي شرودٌ ، أبتغي له قيداً
قال : فمضى رسول الله [ صلى الله
عليه وسلم ] ، وتبعته ، فألقى إليّ رداءه ، ودخل الأراك ، فقضى حاجته ، وتوضأ ،
ثمّ جاء ، فقال : ' أبا عبد الله ! ما فعل شرادُ جملك ؟ ' ثمّ ارتحلنا ، فجعل لا
يلحقني في الميسر إلا قال : ' السلام عليكم أبا عبد الله ، ما فعل شراد جملك ؟ '
قال : فتعجلت إلى المدينة ، فاجتنبت
المسجد ومجالسة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فلما طال ذلك عليّ تحيّنت ساعة
خلوة المسجد ، [ ثم أتيت المسجد ] ، فجعلت أصلي ، فخرج رسول الله [ صلى
الله عليه وسلم ] من بعض حجره ، فجاء ، فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم جلس ، وطولت رجاء
أن يذهب ويدعني ، فقال : ' طوّل أبا عبد الله ما شئت ، فلست بقائم حتّى تنصرف '
فقلت : والله لأعتذرنّ إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، ولأبرئن صدره ؛
فانصرفت ، فقال : ' السلام عليكم أبا عبدالله ، ما فعل شرادُ الجمل ؟ '
فقلت : والذي بعثك بالحق ما شرد ذاك
الجمل منذ أسلمت ، فقال : ' رحمك الله ' مرتين أو ثلاثاً ، ثم أمسك عني ، فلم يعد
28 - عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ،
عن أبيه ، قال : كان بالمدينة رجلٌ يقال له : نعيمان ، وكان لا يدخل المدينة طرفة
إلاّ اشترى منها ، ثمّ جاء بها إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال : يا رسول
الله ! هذا أهديته لك ؛ فإذا جاء صاحبه ، فطالب نعيمان بثمنه ، جاء به إلى النبي [
صلى الله عليه وسلم ] ، فقال : يا رسول الله ! اعطِ هذا ثمن متاعه ، فيقول رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' أو لم تهده لي ؟ ' فيقول : يا
رسول الله ! والله لم يكن عندي ثمنه ، ولقد أحببت أن تأكله ؛ فيضحك رسول الله [
صلى الله عليه وسلم ] ، ويأمر لصاحبه بثمنه
القسم الثاني
فيما يروى عن
الصحابة 29 - عن أنس ، قال :
لما هاجر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، كان يركب ، وأبو بكر رديفه ، وكان
أبو بكر يعرف لاختلافه إلى الشام ، فكان يمرّ بالقوم ، فيقولون : من هذا بين يديك
يا أبا بكرٍ ؟ فيقول : هذا يهديني
30 - عن عبد الجبار بن صيفي ، عن جدّه ،
قال : إنّ صهيباً قدم على النبيّ [ صلى الله عليه وسلم ] ، وبين يديه تمرٌ وخبزٌ ،
فقال : ' ادن فكل '
قال : فأخذ يأكل من التمر ، فقال
النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إنّ
بعينك رمداً ' فقال : يا رسول الله ! أنا آكل من الناحية الأخرى ؛ فتبسم النبي [
صلى الله عليه وسلم ]
31 - عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال :
وفدت على عمر بن الخطاب حللٌ من اليمن ، فقسمها بين الناس ، فرأى فيها حلّة رديئة
، فقال : كيف أصنع بها ؟ إن أعطيتها أحداً لم يقبلها إذا رأى هذا العيب فيها ؛
فأخذها ، فطواها ، فجعلها تحت مجلسه ، فأخرج طرفها ، ووضع الحلل بين يديه ، فجعل
يقسم بين الناس ، فدخل الزبير بن العوّام وهو على تلك الحال ؛ قال : فجعل ينظر إلى
تلك الحلة ، فقال : ما هذه الحلة ؟ قال عمر : دع هذه عنك
قال : ما هيه ، ما هيه ، ما شأنها ؟
قال : دع هذه عنك
قال : فأعطينيها ؛ قال : إنّك لا
ترضاها
قال :
بلى ! قد رضيتها ؛ فلما توثّق منه
واشترط عليه أن يقبلها ولا يردّها ، رمى بها إليه ؛ فلمّا أخذها الزّبير ، ونظر
إليها ، إذا هي رديئةٌ ، فقال : لا أريدها ؛ فقال عمر : أيهات ، قد فرغت منها ؛
فأجازه عليها وأبى أن يقبلها منه
32 - عن حنش بن المعتمر أن رجلين أتيا
امرأة من قريش ، فاستودعاها مئة دينار ، وقالا : لا تدفعيها إلى واحدٍ منا دون
صاحبه حتى نجتمع ، فلبثا حولاً ، فجاء أحدهما إليها ، فقال : إنّ صاحبي قد مات ،
فادفعي إلىّ الدنانير ؛ فأبت ، [ وقالت : إنّكما قلتما لا تدفعيها إلى واحدٍ منّا
دون صاحبه ، فلست بدافعتها إليك ؛ فتثقّل عليها بأهلها وجيرانها ، ] فلم يزالوا
بها حتّى دفعتها إليه
ثمّ لبثت حولاً ، فجاء الآخر ، فقال
: ادفعي إليّ الدنانير ؛ فقالت : إنّ صاحبك جاءني ، فزعم أنّك متّ ، فدفعتها إليه
؛ فاختصما إلى عمر بن الخطاب ، فأراد أن يقضي عليها ، فقالت : أنشدك الله أن تقضي
بيننا ، ارفعنا إلى عليّ ؛ فرفعهما إلى عليّ ، فعرف أنّهما قد مكرا بها ، فقال :
أليس قلتما : لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه ؟ قال : بلى ؛ فقال عليّ : مالك عندنا
، فجئ بصاحبك حتى تدفعها إليكما
33 - عن أسامة بن زيدٍ ، عن أبيه ، عن جده
، قال : كان عمر بن
الخطّاب يعدّ للنّاس خرقاً وخيوطاً ؛ فإذا أعطى الرجل عطاءه
في يده أعطاه خرقةً وخيطاً ، وقال له
: اربط ذهبك ، وأصلح مويلك ، فإنّك لا تدري كم يدوم هذا لك ! فأدخل عليه رجلٌ يقاد
؛ فأعطاه ، فكأنه استقله ، فقال عمر لقائده : اخرج به ؛ فخرج به ، ففرشها ، ثمّ
دعاه ، فقال : خذ هذه كلّها ؛
فجمعها ، وخرج فرحاً
34 - عن عبد الله بن عاصم بن المنذر ، قال
: تزوّج عبد الله بن أبي بكر الصديق عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت حسناء
، ذات خلقٍ بارعٍ ، فشغلته عن مغازيه ، فأمره أبوه بطلاقها ، فطلّقها ؛ وقال : (
ولم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ** ولا مثلها في غير جرمٍ تطلّق ) فرق له أبوه ،
وأمره فراجعها ، ثمّ ثم شهد مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] غزاة الطائف ،
فأصابه سهمٌ ، فمات منه ، فقالت عاتكة : ( رزيت بخير الناس بعد نبيهم ** وبعد أبي
بكرٍ وما كان قصّرا وآليت لا تنفك عيني حزينةً ** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فللّه
فلله عيناً من رأى مثله فتىّ ** أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا إذا شرعت فيه الأسنّة
خاضها ** إلى الموت حتى حتى يترك الرمح أحمرا ) ثم تزوّجها عمر بن الخطاب ، فأولم
، وكان فيمن دعا علي بن أبي طالب ؛ فقال : يا
أمير المؤمنين ! دعني أكلم عاتكة ؛ فقال : كلّمها ؛ فأخذ عليّ بجانب الخدر ، ثم
قال ؛ يا عديّة نفسها : ( وآليت لا تنفك عيني قريرةً ** عليك ولا ينفك جلدي أصفرا )
فبكت ، فقال عمر : ما دعاك إلى هذا ؟
كل النساء يفعل هذا
35 - قال يهودي لأمير المؤمنين علي : ما
دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار : منّا أميرٌ ومنكم أميرٌ ! فقال له عليٌ : أنتم ما
جفّت أقدامكم من البحر حتى قلتم : اجعل لنا إلهاً ! 36 - عن أبي مليكة ، قال : قال
ابن الزبير لابن جعفر : أتذكر إذ تلقينا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، أنا
وأنت وابن عباس ، قال : نعم ، فحملنا وتركك
37 - عن أبي رزين ، قال : سئل العباس : أنت
أكبر أم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ؟ قال : هو أكبر مني ، وأنا ولدت قبله
38 - عن مجاهد ، قال : بينا رسول الله [
صلى الله عليه وسلم ] في أصحابه ، إذ
وجد ريحاً ، فقال : ' ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ ' ، فاستحيا
الرجل ، ثمّ قال : ' ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ ، فإن الله لا يستحيي من الحق '
فقال العباس : ألا نقوم ، يا رسول الله ؛ كلنا نتوضأ ؟ 39 - عن
ابن عباس : وروي مثل هذه القصة في خلافة عمر ، فقال جرير : يتوضأ القوم كلهم ؟
فقال عمر : نعم السّيد كنت في الجاهلية ، ونعم السيد أنت في الإسلام
40 - عن عكرمة ، أن عبد الله بن رواحة كان
مضطجعاً إلى جنب امرأته ، فخرج إلى الحجرة ، فعرف جارية له ، فانتبهت المرأة ، فلم
تره ، فخرجت ، فإذا هو يعرف الجارية ، فرجعت فأخذت شفرةً ، فلقيها ومعها الشفرة ،
فقال : مهيم ؟ فقالت : مهيم ! أما إنّي لو وجدتك حيث كنت لوجأتك بها ؛ قال : وأين
كنت ؟ قالت : تعرفها
قال : ما كنت ! قالت : بلى ! قال :
فإن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] نهانا أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب ؛ فقالت
: اقرأه ؛ فقال : ( أتانا رسول الله يتلو كتابه ** كما لاح مشهودٌ من الصبح ساطع
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ** به موقناتٌ أنّ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن
فراشه ** إذا استثقلت بالكافرين المضاجع ) قالت
: آمنت بالله وكذبت بصري
قال : فغدوت إلى رسول الله [ صلى
الله عليه وسلم ] ، فأخبرته ، فضحك حتى بدت نواجذه
41 - عن أم سلمة ، قالت : خرج
أبو بكر في تجارةٍ إلى بصرى قبل موت رسول الله بعام ، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة
، وكانا قد شهدا بدراً ، وكان نعيمان على الزّاد ، وكان سويبط رجلاً مزاحاً ، فقال
لنعيمان : أطعمني ! قال : حتى يجيء أبو بكرٍ ؛ قال : أما لأغيظنّك
قال : فمروا بقومٍ ، فقال لهم سويبط
: تشترون مني عبداً لي ؟ قالوا : نعم ؛ قال : إنّه عبد له كلامٌ ، فهو قائل لكم :
إنّي حرٌ ، فإن
كنتم إذا قال لكم هذه المقالة
تركتموه فلا تفسدوا علي عبدي ! قالوا
: لا ؛ بل نشتريه منك
قال : فاشتروه بعشر قلائص
قال : ثم أتوه ، فوضعوا في عنقه
عمامةً أو حبلاً ، فقال نعيمان : إن هذا يستهزئ بكم ، وإني حرٌ ولست بعبد ! فقالوا
: قد أخبرنا خبرك ؛ فانطلقوا به ، فجاء أبو بكرٍ ، فأخبروه بذلك ، فاتبع القوم ، فردّ
عليهم القلائص ، وأخذ نعيمان ؛ فلمّا قدموا على النبي [ صلى الله عليه وسلم ]
أخبروه ، فضحك النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه منه حولاً
42 - عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر
بن الخطاب استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين ، فكرهوه ، فعزله عنهم ، فخافوا أن
يردّه ، فقال دهقانهم : اجمعوا مئة ألف درهم حتى أذهب بها إلى عمر وأقول له : إن
المغيرة اختان هذا ودفعه إليّ ؛ ففعلوا ، فأتى عمر ، وقال : إنّ المغيرة اختان هذا
ودفعه إليّ ؛ فدعا عمر المغيرة ، وقال : ما يقول هذا ؟ قال : كذب ! إنما كانت مئتي
ألف ! قال : فما حملك على ذلك ؟ قال : العيال والحاجة
فقال عمر للعلج : ما تقول ؟ قال :
والله لأصدقنّك ! والله ما دفع
إلي قليلاً و لا كثيراً ! فقال عمر للمغيرة : ما أردت إلى هذا ؟ قال : الخبيث كذب
عليّ ، فأحببت أن أخزيه
43 - عن نافعٍ ، قال : كان عبد الله بن
عمر يمازح مولاة له ، فيقول لها : خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام ! فتغضب
وتصيح وتبكي ، ويضحك عبد الله
44 - مازح معاوية الأحنف ، فقال : يا أحنف
! ما الشيء الملفف في البجاد ؟ قال : هو السخينة
أراد معاوية قول الشاعر : ( إذا ما
مات ميتٌ من تميم ** فسرك أن يعيش فجئ بزادٍ بخبزٍ أو بسمنٍ أو بزيتٍ ** أو
الشيء الملفّف في البجاد ) يريد وطب اللبن
والبجاد : كساءٌ يلف فيه ذلك
وأراد الأحنف ب ' السخينة ' أن
قريشاً كانوا يأكلونها ويعيّرون بها ، وهي أغلظ من الحساء وأرق من العصيد ، وإنّما
تؤكل في كلب الزمان وشدة الدهر
45 - وكان بين يدي معاوية ثريدةٌ كثيرةُ
السمن ، ورجلٌ يواكله ، فخرقه إليه ، فقال له : ! ( أخرقتها لتغرق أهلها ) ! [ 18
سورة الكهف / الآية : 71 ]
فقال : ! ( فسقناه إلى بلد ميت ) ! [
35 سورة فاطر / الآية : 9 ]
46 - ولمّا قدم معاوية حاجاً تلقّته قريشٌ
بوادي القرى ، وتلقّته الأنصار بأجزاع المدينة ، فقال لهم : ما منعكم أن تلقوني
حيث تلقتني قريشٌ ؟ قالوا : لم يكن دوابٌ ؛ قال : فأين النواضحٌ ؟ قالوا : أنضيناها
يوم بدرٍ في طلب أبي سفيان
47 - وقال معاوية لعقيل : إن فيكم لشبقاً
يا بني هاشم ! قال : هو منّا في الرجال ، وهو منكم في النساء
48 - عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن أبيه ،
عن جده ، قال : شهدت مع رسول الله [ صلى
الله عليه وسلم ] ، فقتلت رجلاً ، وضربني ضربةً ، فتزوّجت بابنته بعد ، فكانت تقول
: لا عدمتُ رجلاً وشحك هذا الوشاح ؛ فأقول : لا عدمت رجلاً عجّل أباك إلى النار
49 - قال معاوية لعبد الله بن عامر : إن
لي إليك حاجةٌ ، أتقضيها ؟ قال : نعم ! ولي إليك حاجةٌ ، أتمضيها ؟ قال : نعم ؛
قال : سل حاجتك ، قال : أريد أن تهب لي دورك وضياعك بالطائف ؛ قال : قد فعلت ؛ قال
: وصلتك رحمٌ ، فسل حاجتك ؛ قال : أن تردها عليّ ؛ قال : قد فعلت
50 - قال رجلٌ لأبي الأسود الدؤلي : أشهد
معاوية بدراً ؟ فقال : نعم ، من ذاك
الجانب
51 - روى سعيدٌ المقبري ، عن أبي هريرة ،
أنّه قال : ' لا يزالً
العبدُ في صلاةٍ ما لم يحدث ' فقال رجلٌ من القوم أعجمي : ما الحدثُ يا أبا هريرة
؟ قال : الصوت ، قال : وما الصوت ؟ فجعل أبو هريرة يضرط بفيه حتى أفهمه
القسم الثالث
فيما يروى عن
العلماء والحكماء 52 - عن شيخ من قريش
، قال : عرض شريحٌ ناقةً لبيعها ، فقال له المشتري : يا
أبا أميّة ! كيف لبنها ؟ قال : احلب في أيّ إناءٍ شئت ؛ قال : كيف الوطاء ؟ قال :
افرش ونم ؛ قال : فكيف نجاؤها ؟ قال : إذا رأيتها في الإبل عرفت مكانها ؟ قال :
كيف قوتها ؟ قال : احمل على الحائط ما شئت
فاشتراها ، فلم ير شيئاً مما وصفها
به ، فرجع إليه ، فقال : لم أر شيئاً مما وصفتها به ! قال : ما كذبتك ؛ قال :
أقلني ؛ قال : نعمٌ
53 - عن أبي القاسم السلمي ، عن غير واحدٍ
من أشياخه ، أن شريحاً خرج من عند زيادٍ وهو مريضٌ ، فأرسل إليه مسروقٌ بن الأجدع
رسولاً ، فقال : كيف تركت الأمير ؟ قال : تركته
يأمر وينهى
قال : يأمر بالوصية وينهي عن النياحة
54 - عن زكرياء بن أبي زائدة ، قال : كنت
مع الشعبي في
مسجد الكوفة ، إذ أقبل حمّال على
كتفه كودن ، فوضعه ، ودخل إليه ، فقال : يا شعبي ! إبليس كانت له زوجةٌ ؟ قال :
ذاك عرسٌ ما شهدته ، قال : هذا
عالم العراق يسأل عن مسألةٍ فلا يجيب ! فقال : ردّوه ، نعم له زوجةٌ ، قال الله عز
وجل : ! ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ) ! [ 18 سورة الكهف / الآية : 50 ]
ولا تكون الذّرّيّة إلا من زوجةٍ
قال : فما كان اسمها ؟ قال : ذاك
إملاكٌ ما شهدته
55 - عن عبد الله بن عياش ، قال : جلس
الشعبي على باب داره ذات يوم ، فمرّ به رجلٌ ، فقال : أصلحك الله ! إني
كنت أصلي ، فأدخلت إصبعي في أنفي ، فخرج عليها دمٌ ، فما ترى : أحتجم أم افتصد ؟
فرفع الشعبي يديه ، وقال : الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة
56 - أقر رجلٌ عند شريح ، ثم ذهب لينكر ،
فقال له شريحٌ : قد شهد عليك ابن أخت خالتك
57 - روى عامرٌ الشعبي يوماً : أن النبي [
صلى الله عليه وسلم ] ، قال : ' تسحروا ، ولو أن يضع أحدكم إصبعه على التراب ثمّ
يضعه في فيه '
فقال رجلٌ : أيّ الأصابع ؟ فتناول
الشعبيّ إبهام رجله ، وقال : هذه
58 - ولقيه رجلٌ وهو واقفٌ مع امرأةٍ
يكلّمها ، فقال الرجل : أيّكما
الشّعبيّ ؟ فأومأ الشعبيّ إلى المرأة ، وقال : هذه
59 - وسأله رجلٌ عن المسح على اللّحية في
الوضوء ، فقال : خلّلها بأصابعك
فقال : أخاف
أن لا تبلّها ! قال : فانقعها من أوّل اللّيل
60 - ودخل الشعبي على عبد الملك ، فقال له
: كم عطاءك ؟ قال : ألفي درهم
فقال : لحن العراقي ؛ ثم رد عليه ،
فقال : كم عطاؤك ؟ قال ألفاً درهم
قال : ألم تقل : ألفي درهم ! فقال :
لحن أمير المؤمنين فلحنت ، لأني كرهت أن يكون راجلاً وأكون فارساً
61 - ودخل الشعبي الحمام ، فرأى داود
الأوديّ بلا مئزر ، فغمض عينيه ، فقال له داود : متى عميت يا أبا عمرو ؟ قال : منذ
هتك الله سترك
62 - وجاء رجلٌ إلى الشعبي ، فقال :
اكتريت حماراً بنصف درهم ، وجئتك لتحدّثني ؛ فقال له : أكتر بالنصف الآخر وارجع ،
فما أريد أن أحدثك
63 - وقيل للشعبي : هل تمرض الروح ؟ قال :
نعم ! من ظل الثقلاء
64 - قال بعض أصحابه : فمررت به يوماً وهو
بين ثقيلين ، فقلت : كيف الروح ؟
قال : في النزع
65 - قال أبو عبد الله الأسناطي : لما نزل
في عين سعيد بن المسيب الماء ، قيل له : اقدحها ، فقال : فعلى من أفتحها
66 - كان إبراهيم النّخعي إذا طلبه إنسانٌ
لا يحبّ لقاءه ، خرجت الخادم فقالت : اطلبوه في المسجد
67 - عن جرير ، قال : جئت الأعمش يوماً ،
فوجدته قاعداً في ناحيةٍ ، وفي الموضع خليجٌ من ماء المطر ، فجاء رجلٌ عليه سواد ،
فرأى الأعمش وعليه فروةٌ ، فقال : قم عبرني هذا الخليج ؛ وجذب بيده ، فأقامه ،
وركبه ، وقال : ! ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ! [ 43 سورة
الزخرف / الآية 13 ]
فمضى به الأعمش حتى توسط الخليج ، ثم
رمى به ، وقال : ! ( وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) ! [ 23 سورة
المؤمنون / الآية : 29 ]
ثمّ خرج ، وتركه يتخبّط في الماء
68 - عن الهيثم بن عدي ، قال : قيل للأعمش
: ممّ عمشت عيناك ؟ قال : من النظر إلى الثقلاء
69 - قال الأعمش : وقال جالينوس : لكل
شيءٍ حمى ، وحمى الروح النظر إلى الثقلاء
70 - قال شريك : سمعت الأعمش يقول : إذا
كان عن يسارك ثقيلٌ وأنت في الصلاة ، فتسليمة عن اليمين تجزءك
71 - قال إسحاق الأزرق : قال : رجلٌ
للأعمش : كيف بتّ البارحة ؟ قال : فدخل ، فجاء بحصير ووسادة ، ثم استلقى ، وقال :
كذا
72 - قال سعيد الورّاق : كان
للأعمش جارٌ ، كان لا يزال يعرض عليه المنزل ؛ يقول : لو دخلت فأكلت كسرةً وملحاً
؟ فيأبى عليه الأعمش ، فعرض عليه ذات يوم ، فوافق جوع الأعمش ، فقال : مرّ بنا ؛
فدخل منزله ، فقرّب إليه كسرةً وملحاً ؛ إذ سأل سائلٌ ، فقال له ربّ المنزل : بورك
فيك ، فأعاد عليه المسألة ، فقال له : بورك فيك ؛ فلما سأل الثالثة ، قال له :
اذهب ، وإلا والله خرجت إليك بالعصا ! قال
: فناداه الأعمش : اذهب ويحك ! ولا والله ما رأيت أحداً أصدق مواعيد منه ، هو منذ
سنةٍ يعدني على كسرةٍ وملح ، ولا والله ما زادني عليهما
73 - قال الأعمش لجليسٍ له : تشتهي كذا
وكذا من الطعام ؟
فوصف طعاماً طيباً ؛ فقال : نعم ؛
قال : فأنهض بنا ؛ فدخل به منزله ، فقدّم رغيفين يابسين وكامخاً ، وقال : كل ؛ قال
: أين ما قلت ؟ قال : ما قلت لك عندي ، إنّما قلت تشتهي
74 - دخل على الأعمش رجلٌ يعوده ، فقال له
: ما أشدّ ما مرّ بك في علّتك هذه ؟ قال : دخولك
75 - قال أبو بكرٍ بن عياش : كنّا نسمي
الأعمش سيّد المحدثين ، وكنّا نجيء إليه إذا فرغنا من الدّوران ، فيقول : عند من
كنتم ؟ فيقول : عند فلان ؛ فيقول : طبلٌ
مخرقٌ ؛ ويقول : عند من ؟ فنقول : فلانٌ ، فيقول : دفٌ ممزّقٌ
وكان يخرج إلينا شيئاً لنأكله ،
فقلنا يوماً : لا يخرج إليكم الأعمش شيئاً إلا أكلتموه
قال : فأخرج إلينا سنّاً ، فأكلناه ،
وأخرج فدخل ، فأخرج فتيتاً ، فشربناه ، فدخل ، فأخرج إجانةً صغيرةً وقتاً ، وقال :
فعل الله بكم وفعل ! أكلتم قوتي
وقوت امرأتي ، وشربتم فتيتها ! هذا علفٌ الشاة ، كلوا ! قال : فمكثنا
ثلاثين يوماً لا نكتب فزعاً منه ، حتى كلّمنا إنساناً عطاراً كان يجلس إليه حتى
كلمه لنا
76 - قال شعبة : كان الأعمش إذا رأى
ثقيلاً ، قال له : كم عزمك تقيم في هذا البلد ؟ 77 - قال عمر بن حفص بن غياثٍ ،
حدّثني أبي ، قال : قال لي الأعمش
: إذا كان غد فاغذ عليّ حتى أحدثك عشرة أحاديث ، وأطعمك عصيدةً ، وانظر ! لا تجيء
معك بثقيل ! قال حفص : فغدوت أريد الأعمش ، فلقيني ابن إدريس ، فقال : لي : أين
تريد ؟ قلت : إلى الأعمش ، قال : فامض بنا
قال : فلمّا بصر بنا الأعمش دخل إلى
منزله ، وأجاف الباب ، وجعل يقول من داخل : يا حفص ! لا تأكل العصيدة إلا بجوزٍ !
ألم أقل لك لا تجئني بثقيل !
78 - قال السيناني : دخل مع أبي حنيفة على
الأعمش ، فقال : يا أبا محمد ! لولا أني أكره أن أثقل عليك لزدت في عيادتك ؛ فقال
له الأعمش : إنّك تثقل عليّ
وأنت في بيتك ، فكيف إذا دخلت عليّ ؟ 79 - قال الرّبيع بن نافع : كنّا نجلس إلى
الأعمش ، فنقول : في السماء غيمٌ
يعني : ههنا من نكره
80 - قال جرير : دعي الأعمش إلى عرس ،
فنشر فروته ، ثم
جاء ، فرده الحاجب ، فرجع ، فلبس
قميصاً وإزاراً ، وجاء ، فلمّا رآه الحاجبُ أذن له ، فدخل ، وجاءوا بالمائدة ،
فبسط كمّه على المائدة ، وقال : كل ! فإنما أنت دعيت ليس أنا ! وقام ولم يأكل
81 - قال حفص بن غياثٍ : رأيت إدريس
الأودي جاء بابنه عبد الله إلى الأعمش ، فقال : يا أبا محمد ! هذا ابني ، إنّ من
علمه بالقرآن ، إنّ من علمه بالفرائض ، إنّ من علمه بالشعر ، إنّ من علمه بالنحو ،
إن من علمه بالفقه ؛ والأعمش ساكتٌ ، ثم سأل الأعمش عن شيءٍ ، فقال : سل ابنك !
82 - قال وكيعٌ : كنا يوماً عند الأعمش ،
فجاء رجلٌ يسأله عن شيءٍ ، فقال : إيش معك ؟ قال : خوخٌ ؛ فجعل يحدثه بحديثٍ
ويعطيه واحدةً ، حتى فني ، قال : بقي شيءٌ ؟ قال : فني يا أبا محمدٍ ؛ قال : قم ،
قد فني الحديث
83 - قال خبيقٌ : عوتب الأعمش في دخوله
على بعض الأمراء ، فقال : هم بمنزلة الكنيف ، دخلت ، فقضيت حاجتي ، ثم خرجت
84 - قال محمد بن عبيد الله بن صبيح : ولى
الحجّاج رجلاً من الأعراب بعض المياه ، فكسر عليه بعض خراجه ، فأحضره ، ثم قال له
: يا عدوّ الله ! أخذت مال الله ! قال : فمال من آخذ ! أنا والله مع الشيطان
أربعين سنةً حتى يعطيني حبّةً ما أعطاني
85 - قال عبيد الله بن محمدٍ التيمي :
سمعت ذا النّون يقول بمصر : من
أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد ، قيل له : وكيف
ذلك ؟ قال : لمّا حملت إلى بغداد ، رمي بي على باب السلطان مقيّداً ، فمرّ بي رجلٌ
متزرٌ بمنديل مصري ، معتمٌ بمنديل دبيقي ، بيده كيزان خزفٍ رقاقٍ وزجاج مخروط ،
فسألت : هذا ساقي السلطان ؟ فقيل لي : لا ! هذا ساقي العامة ؛ فأومأت إليه اسقني ،
فتقدّم وسقاني ، فشممت من الكوز رائحة المسك ، فقلت لمن معي : ادفع إليه ديناراً ؛
فأعطاه الدينار ، فأبى ، وقال : لست آخذ شيئاً ! فقلت له : ولم ؟ فقال : أنت أسيرٌ
، وليس من المروءة أن آخذ منك شيئاً ؛ فقلت : كمل الظرف في هذا
86 - قال نسيمٌ الكاتب : قيل لأشعب : جالست
الناس وطلبت العلم ، فلو جلست لنا ؟ فجلس ، فقالوا : حدّثنا ! فقال
: سمعت عكرمة يقول : سمعت ابن عباس يقول : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]
يقول ' خلّتان لا يجتمعان في مؤمن '
ثم سكت ، فقالوا : ما الخلّتان ؟
فقال : نسي عكرمة واحدة ، ونسيت أنا الأخرى
87 - قال الواقديّ : لقيت أشعب يوماً ،
فقال : وجدت ديناراً ، فكيف أصنع به ؟ قلت : تعرفه ؛ قال : سبحان الله ! قلت : فما
الرأي ؟ قال : أشتري به
قميصاً وأعرفه ؛ قلت : إذن لا يعرفه أحدٌ ؛ قال : فذلك أريد
88 - قال الهيثم بن عدي : كان أشعب مولى
فاطمة بنت الحسين ، فأسلمته في البزّازين ، فقيل له : أين بلغت معرفتك بالبزّ ؟
فقال : أحسن النشر ، وما أحسن أطوي ، وأرجو أن أتعلّم الطيّ
89 - وقال أشعب : رأيت في النوم كأني أحمل
بدرةً ، فمن ثقلها أحدثت ، فانتبهت ، فرأيت الحدث ولم أر البدرة
90 - قال عثمان بن عيسى الهاشمي : كنت عند
المعتز ، وكان قد كتب أبو أحمد ابن المنجّم إلى أخيه أبي القاسم رقعةً يدعوه فيها
، فغلط الرسول ، فأعطاها لابن المعتز وأنا عنده ، فقرأها ، وعلم أنّها ليست له ،
فقلبها وكتب : ( دعاني الرسول
ولم تدعني ** ولكن لعلّي أبو القاسم ) فأخذ الرسول الرقعة ومضى ، وعاد عن قريب ،
فإذا فيها مكتوب : ( أيا سيّداً قد غدا مفخراً ** لهاشم
إذ هو من هاشم تفضّل وصدّق خطأ الرسول ** تفضل مولى على خادم )
( فما أن يطاق إذا ما جددت ** وهزلك
كالشهد للطاعم فدى لك من كل ما يتّقيه ** أبو أحمد وأبو القاسم ) قال : فقام ،
ومضى إليه
91 - قال عثمان بن سعيد الرزاي : حدّثني
الثقة من أصحابنا ، قال : لمّا مات بشرٌ المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم
والسنّة أحدٌ إلا عبيد الشّونيزي ، فلمّا رجع من الجنازة لاموه ، فقال : أنظروني
حتى أخبركم ، ما شهدت جنازةً رجوت فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته ، إنّني
لما قمت في الصف ، قلت : اللهمّ ! عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة ؛ اللهمّ
! فاحجبه عن
النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون ؛ اللهم ! عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب
القبر ، اللهمّ ! فعذبه اليوم في قبره عذاباً لم تعذبه أحداً من العالمين ؛ اللهمّ
! عبدك هذا كان ينكر الميزان ، اللهمّ ! فخفف ميزانه يوم القيامة ؛ اللهمّ ! عبدك
هذا كان ينكر الشفاعة ؛ اللهمّ ! فلا تشفع فيه أحداً من خلقك يوم القيامة ؛ قال :
فسكتوا عنه وضحكوا
92 - دخل أبو حازم المسجد ، فوسوس له
الشيطان أنّك قد أحدثت بعد وضوئك ؛ فقال : أو بلغ هذا من نصحك ؟ !
93 - قال المدائني : كان المطلب بن محمدٍ
على قضاءٍ مكة وقد كان عنده امرأة قد مات عنها أربعة أزواج ، فمرض مرض الموت ،
فجلست عند رأسه تبكي ، وقالت : إلى من توصي بي ؟ قال : إلى
السادس الشقيّ
94 - قال أبو العباس محمد بن إسحاق الشاهد
: سألت الزبير ابن البكار ، فقلت : منذ كم زوجتك معك ؟ فقال : لا تسألني ، ليس يرد
القيامة أكثر كباشاً منها ، ضحيت عنها بسبعين كبشاً
95 - عن عبد الرزّاق ، عن أبيه ، أن حجراً
المدري أمره محمد بن يوسف أن يلعن علياً ، فقال : إنّ الأمير محمد بن يوسف أمرني
أن ألعن علياً ، فالعنوه ؛ لعنه الله
قال : فعمّاها على أهل المسجد ، فما
فطن لها إلا رجلٌ واحدٌ
96 - قال القرشي : وامتحنت الخوارج
شيعيّاً ، فقال : أنا من عليّ ومن عثمان برئ
97 - قال مثنى : كان ابن عونٍ في جيشٍ ،
فخرج رجل من المشركين ، فدعا إلى البراز ، فخرج إليه ابن عون وهو ملثم ، فقتله ،
ثم اندسّ في الناس ، فجهد الوالي أن يعرفه ، فلم يقدر ، فنادى مناديه :
أعزم على من قتل هذا إلا جاءني ،
فجاءه ابن عونٍ ، فقال : وما على رجلٍ أن يقول : أنا قتلته ؟
98 - قال شميرٌ : إنّ رجلاً خطب امرأة
وتحته أخرى ، فقالوا : لا نزوّجك حتى تطلّق ، فقال : اشهدوا أني قد طلقت ثلاثاً ،
فزوّجوه ، فأقام على امرأته ، فادعى القوم الطلاق ، فقال : أما تعلمون أنّه كانت
تحتي فلانةٌ بنت فلانٍ فطلّقتها ؟ قالوا : بلى
وكانت تحتي فلانةٌ بنت فلانٍ
فطلّقتها ؟ قالوا : بلى
وكانت تحتي فلانةٌ فطلّقتها ؟ قالوا
: بلى
قال : فقد طلّقت ثلاثاً
فبلغ إلى عثمان ، فجعلها نيّته
99 - قال علي بن عاصم : دخلت على أبي
حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره ، فقال للحجام : تتبع مواضع البياض ، قال الحجام :
لا ترد ، قال : ولم ؟ قال : لأنّه يكثر
قال : فتتّبع مواضع السواد لعله يكثر
100 - دخل أبو حنيفة على المنصور ، وكان
أبو العباس الطوسي سيىء الرأي في أبي حنيفة ، فقال الطوسي : اليوم أقتله
فقال : يا أبا حنيفة ! إن أمير
المؤمنين يأمرني بقتل رجل لا أدري ما هو ؟ فقال أبو حنيفة : أمير المؤمنين يأمر
بالحق أو بالباطل ؟ قال : بالحق
قال : أنفذ الحق حيث كان
101 - قال محمد بن جعفر الإمامي : كان أبو
حنيفة يتّهم
شيطان الطاق بالرجعة ، وكان شيطان
الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ ، فخرج أبو حنيفة يوماً إلى السوق ، فاستقبله شيطان
الطاق ومعه ثوبٌ يريد بيعه ، فقال له أبو حنيفة : تبيع هذا الثوب إلى رجوع علي ؟
فقال له : إن أعطيتني كفيلاً أنك لا تمسخ قرداً ، بعتك ؛ فبهت أبو حنيفة
102 - ولمّا مات جعفر بن محمد ، التقى هو
وأبو حنيفة ، فقال له أبو حنيفة : أمّا
إمامك فقد مات
فقال له شيطان الطاق : أمّا إمامك
فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم
103 - قال محمد بن مسلمة المديني : وقيل له
: إن رأي أبي حنيفة دخل هذه الأمصار كلّها ولم يدخل المدينة ؛ قال : لأنّ رسول
الله [ صلى الله عليه
وسلم ] قال : ' على كل نقبٍ من أنقابها ملكٌ يمنع الدّجّال من دخولها ' ، وكلام
هذا من كلام الدّجّالين ، فمن ثم لم يدخلها !
104 - قال أحمد بن محمدٍ ، عن يحيى القطان
: قال لي يزيد بن هارون : أنت أثقل عندي من نصف حجر البزر ، قلت : لم لم تقل من
الرّحى كله ؟ فقال : إنّه إذا كان صحيحاً تدحرج ، فإذا كان نصفاً لم يرفع إلا
بجهدٍ
105 - قال المبرد : سأل المأمون يحيى بن
المبارك عن شيءٍ ، فقال : لا ، وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ؛ فقال : لله
درك ! ما وضعت واوٌ قطّ وضعاً أحسن منها في هذا الموضع ؛ ووصله وحمله
106 - عن أبي سمي الزاهد ، عن إبراهيم بن
أدهم ، إنّه كان في بعض السّواحل ومعه رفقاءٌ له ، ومعهم حميرٌ لهم ، فجاء إليهم
رجلٌ ، فقال : أريد أصحبكم وأكون معكم ؛ فكأنّهم كرهوا ذلك ، فلما خرجوا إلى ساحل
البحر والرّجل معهم ، قال إبراهيم بن أدهم للحمار : زر ؛ فصاح الحمارٌ ، فانصرف
الرّجل عنهم ، وقال : أنا ظننت فيكم خيراً ؛ فصرفوه بهذا
107 - قال عبدالله بن أحمد بن حربٍ : كلّم
رجل عيسى بن موسى عند عبد الله بن شبرمة القاضي ، فقال عيسى : من يعرفك ؟ قال : ابن
شبرمة ، فقال : أتعرفه ؟ قال : إني لأعلم أن له شرفاً وبيتاً وقدماً ؛ فلما خرج
ابن شبرمة ، سئل عن ذلك ، فقال : أعلم أن له
أذنين مشرفتين ، وأنّ له بيتاً يأوي
إليه ، وقدماً يطأ عليها
108 - بلغنا أنّ رجلين سعيا بمؤمن إلى
فرعون ليقتله ، فأحضرهم فرعون ، فقال للسّاعيين : من ربّكما ؟ قالا : أنت ! فقال
للمؤمن : من ربك ؟ فقال : ربي ربّهما !
فقال لهما فرعون : سعيتما برجلٍ على ديني لأقتله ! فقتلهما
109 - قال الأصمعيّ : أنشدت محمد بن عمران
قاضي المدينة : ( يا أيها السائل عن منزلي ** نزلت في الخان على نفسي يغدو عليّ
الخبز من خابزٍ ** لا يقبل الرّهن
ولا ينسي آكل من كيسي ومن كسوتي ** حتى لقد أوجعني ضرسي ) فقال : اكتبه لي ؛ قلت :
أصلحك الله ! إنّما يكتب هذا للأحداث ! فقال
: ويحك ! اكتبه لي ، فإن الأشراف يعجبهم الملاحة
110 - امتحن ابن أبي دؤاد الحارث بن مسكين
أيام المحنة ، فقال له : أشهد أنّ القرآن مخلوقٌ ! فقال
الحارث : أشهد أنّ هذه الأربعة مخلوقةٌ ، وبسط أصابعه الأربع ؛ وقال : التوراة
والإنجيل والزّبور والفرقان ؛ فتخلّص
111 - قال رجلٌ لأبي تمّام : لم لا تقول ما
نفهم ؟ فقال : لم لا تفهمون ما أقول ؟ 112 - قال
أحمد ابن أبي طاهر : قال أبو هفّان ، ووصف
رجلاً ، فقال : هو أثقل على القلوب
من الموت على المعصية ! 113 - قال
سفيان بن وكيع : سمعت سفيان بن عيينة يقول : دعانا سفيان الثّوري يوماً ، فقدّم
إلينا تمراً ولبناً خاثراً ، فلمّا توسّطنا الأكل ، قال : قوموا
بنا نصلي ركعتين شكراً لله
قال سفيان بن وكيع : لو كان قدّم
إليهم شيئاً من هذا اللوزينج المحدث ، لقال لهم : قوموا بنا نصلي تراويح
114 - قال أبو حاتم : أنشدنا الأصمعي : (
إذا جاء يومٌ صالحٌ فاقبلنه ** فأنت على يوم الشقاء قدير ) ثم قال : أتدرون من أين
أخذت هذا ؟ أخذته من قول العيّارين : أكثر من التخم ، فإنّك على الجوع قادرٌ
115 - قال بكر بن عبد الله المزني : أحوجٌ
الناس إلى لطمةٍ من دعي إلى وليمةٍ فذهب معه بآخر ؛ وأحوج الناس إلى لطمتين رجلٌ
دخل دار قوم ، فقيل له : اجلس ههنا ، فقال : لا
! بل ههنا ؛ وأحوج النّاس إلى ثلاث لطماتٍ رجلٌ قدم إليه طعامٌ ، فقال : لا آكل
حتى يجلس معي ربّ البيت
116 - قال عمرو بن عثمان : دخل المنصور
قصراً ، فوجد في جداره كتاباً :
( ومالي لا أبكي بعينٍ حزينةٍ ** وقد
قربت للظّاعنين حمول ) وتحته مكتوبٌ :
إيه إيه ؟ - قال أبو عمرو : ويروى آهٍ آهٍ - فقال المنصور : أيّ
شيءٍ إيه إيه ؟ فقال له الربيع ، وهو إذ ذاك تحت يدي أبي الخصيب الحاجب : يا أمير
المؤمنين ! إنّه لمّا كتب البيت أحبّ أن يخبر أنّه يبكي . فقال
: قاتله الله ما أظرفه
117 - قال أبو الفضل الرّبعي : حدثني أبي ،
قال : قال المأمون لعبد الله بن طاهر : أيّما أطيب : مجلسي أو منزلك ؟ قال : ما
عدلت بك يا أمير المؤمنين ! فقال : ليس إلى هذا ذهبت ، إنّما ذهبت إلى الموافقة في
العيش واللّذّة ، قال : منزلي يا أمير المؤمنين
قال : ولم ذاك ؟ قال : لأني فيه مالك
وأنا ههنا مملوكٌ
118 - عن الأصمعي ، قال : قال رجلٌ : ما
رأيت ذا كبرٍ قطّ إلا تحوّل داؤه فيّ
يريد : إنّي أتكبّر عليه
119 - بلغنا عن بعض ولاة مصر أنّه كان يلعب
بالحمام ، فتسابق هو وخادمٌ له ، فسبقه الخادم ، فبعث الأمير إلى وزيره يستعلم
الحال ، فكره الوزير أن يكتب إليه : إنّك قد سبقت ؛ ولم يدر كيف يكني عن تلك الحال
، فقال كاتبٌ : ثم إن رأيت أن تكتب : ( يا أيّها المولى الذي جدّه ** لكلّ
جدّ قاهرٌ غالبٌ طائرك السّابق لكنّه ** أتى وفي خدمته حاجب ) فاستحسن
ذلك ، وأمر له بجائزةٍ ، وكتب به
120 - أطال الجلوس يوماً عند الواثق حسينٌ
الخادم ، فقال له : ألك حاجةٌ ؟
قال : أمّا إلى أمير المؤمنين فلا ، ولكن إلى الله تعالى أن يطيل بقاءه ويديم عزّه
121 - جاء رجلٌ إلى أبي خازم القاضي ، فقال
: إنّ الشيطان يأتيني ، فيقول : إنّك قد طلّقت امرأتك ، فيشككني ؛ فقال له : أو
ليس قد طلقّتها ؟ قال : لا ! قال : ألم تأتني أمس فتطلّقها عندي ؟ فقال : والله
ما جئتك إلا اليوم ، ولا طلّقتها بوجهٍ من الوجوه ، قال : فاحلف للشيطان كما حلفت
لي ، وأنت في عافيةٍ
122 - كتب بعض ملوك فارس على بابه : ' تحتاج
أبواب الملوك إلى عقلٍ ومالٍ وصبرٍ ' فكتب بعض الحكماء تحته : ' من
كان عنده واحدةٌ من هذه الثلاث لم يحتج إلى أبواب الملوك ' فرفع خبره إلى الملك ،
فقال : زه ! وأمر بإجازته ومحو الكتابه من الباب
123 - مرّ الشّعبي بخيّاط ، فقال : يا
خيّاط ! عندنا راقود قد انكسر ، تخيطه ؟ فقال له الخيّاط : إن كان عندك خيوطٌ من ريحٍ
خطته لك
124 - لمّا حاصر خالد بن الوليد أهل الحيرة
، قال : ابعثوا لي رجلاً من عقلائكم ؛ فبعثوا عبد المسيح بن عمروٍ ، وكان نصرانياً
،
فجاء ، فقال لخالد : أنعم صباحاً
أيها الملك ! فقال : قد أغنانا الله عن تحيّتك هذه ، فمن أين أقصى أثرك أيها الشيخ
؟ قال : من ظهر أبي ؛ قال : فمن أين خرجت ؟ قال : من بطن أمي ؛ قال : فعلام أنت ؟
قال : على الأرض ؛ قال : ففيم أنت ؟ قال : في ثيابي ؛ قال : أتعقل ؟ قال : أي
والله ، وأقيّد ؛ قال : ابن كم أنت ؟ قال : أبن رجلٍ واحدٍ ؛ قال خالدٌ : ما رأيت
كاليوم ، أسألك الشيء وتنحو في غيره ! فقال : ما أنبأتك إلا عما سألتني
125 - قال المبرّد : قال رجلٌ لهشام بن
عمروٍ الفوطي : كم تعدّ ؟ قال : من واحدٍ إلى ألف ألف ؛ قال : لم أرد هذا ، قال :
فما أردت ؟ قال : كم تعدّ من
السّنّ ؟ قال : اثنان وثلاثون ؛ ستة عشر من أعلى وستة عشر من أسفل ؛ قال : لم أرد
هذا ، قال : فما أردت ؟ قال : كم لك من السنين ؟ قال : ما
لي منها شيءٌ ، كلها لله عز وجل ؛ قال : فما سنّك ؟ قال : عظمٌ ؛ قال : فابن
كم أنت ؟ قال : ابن اثنين : أبٌ وأمٌ ؛ قال : فكم أتى عليك ؟ قال : لو
أتى عليٌ شيءٌ لقتلني ؛ قال : فكيف أقول ؟ قال : قل : كم مضى من عمرك ؟ 126 - لقي
الخوارجٌ رجلاً ، فهمّوا بقتله ، فقال : أعهد إليكم في اليهود شيء ؟ قالوا : لا !
قال : فامضوا راشدين
127 - قال الرشيد لأبي يوسف : ما
تقول في الفالوذج
واللوزينج ؟ أيهما أطيب ؟ فقال : يا
أمير المؤمنين ! لا أقضي بين غائبين ؛ فأمر بإحضارهما ، فجعل أبو يوسف يأكل من هذا
لقمةً ومن هذا لقمةً ، حتى نصف جاميهما ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ! ما رأيت
خصمين أجدل منهما ، كلما أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجّته
128 - عن مطر الورّاق ، قال : إذا سألت
العالم عن مسالةٍ فحكّ رأسه ، فاعلم ، أنّ حماره قد بلغ القنطرة
129 - وعنه أيضاً أنّه قال : غضب عليّ أبي
، فأسلمني إلى الحاكة نصف يومٍ ، فأنا أعرف ذلك في عقلي
130 - قال ابن خلفٍ : حدّثني بعض أصحابنا
قال : بلغني أنّ
الرشيد خرج متنزهاً ، فانفرد من
عسكره والفضل بن الرّبيع خلفه ، فإذا هو بشيخٍ قد ركب حماراً وفي يده لجامٌ كأنّه
مبعرٌ محشوٌ ، فنظر إليه فإذا رطب العينين ، فغمز الفضل عليه ، فقال له الفضل :
أين تريد ؟ قال : حائطاً لي
فقال : هل لك أن أدلك على شيء تداوي
به عينيك فتذهب هذه الرطوبة ؟ قال : ما أحوجني إلى ذلك ! فقال له : خذ عيدان
الهواء وغبار الماء وورق الكمأة ، فصيّره في قشر جوزةٍ واكتحل ، فإنّه يذهب عينيك
قال : فاتكأ
على قربوسه ، فضرط ضرطة طويلةٌ ، ثمّ قال : تأخذ أجرةٌ لصفتك ، فإن نفعتنا زدناك
قال : فاستضحك الرشيد حتى كاد يسقط
عن ظهر دابّته
131 - قال المهدي لشريك : لو شهد عندك عيسى
كنت تقبله ؟ وأراد أن يغري بينهما ؛ فقال : من شهد عندي سألت عنه ، ولا يسأل عن
عيسى إلا أمير المؤمنين ، فإن زكيّته قبلته
132 - دخل الوليد بن يزيد على هشام [ بن
عبد الملك ] ، وعلى الوليد عمامةٌ وشي ، فقال هشام : بكم أخذتها ؟ قال : بألف
درهم
فقال : هذا كثيرٌ ؛ قال : إنّها لأكرم
أطرافي ، وقد اشتريت جاريةً بعشرة آلافٍ لأخسّ أطرافك ! 133 - وقعت على يزيد بن
المهلّب حيةٌ ، فلم يدفعها عنه ، فقال
له أبوه : ضيّعت العقل من حيث حفظت
الشجاعة
134 - قال عمارة بن عقيل : قال ابن أبي
حفصة الشاعر : أعلمت أنّ أمير المؤمنين ! يعني : المأمون
- لا يبصر الشعر ؟ فقلت : من ذا يكون أفرس منه ؟ والله إنّا لننشد أوّل البيت
فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه ؛ قال : إنّي أنشدته بيتاً أجدت فيه ، فلم أره
تحرك له ، وهذا البيت فاسمعه : ( أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلاً ** بالدّين
والنّاس بالدّنيا مشاغيل ) فقلت له : ما زدت أن جعلته عجوزاً في محرابها في يدها
سبحةٌ ، فمن يقوم بأمر الدّنيا إذا كان مشغولاً عنها وهو المطرق لها ؟ ألا قلت كما
قال عمّك جريرٌ لعبد العزيز بن الوليد : ( فلا هو في الدنيا مضيعٌ نصيبه ** ولا
عرضٌ الدنيا عن الدين شاغله ) 135 - بلغنا عن الرّشيد أنّه كان في داره حزمةٌ
خيزران ، فقال لوزيره الفضل بن الرّبيع : ما هذه ؟ فقال : عروق الرماح يا أمير
المؤمنين ؛ ولم يرد أن يقول : الخيزران لموافقته اسم أم الرّشيد
136 - قيل للحسن بن سهل ، وقد كثر عطاؤه
على اختلال حاله : ليس في السرف خيرٌ ؛ فقال : ليس في الخير سرفٌ
137 - رأى الفتح بن خاقان شيئاً في لحية
المتوكل ، فنادى : يا غلام ! مرآة أمير المؤمنين ؛ فجيء بها ، فقابل بها وجهه حتى
أخذ ذلك الشيء بيده
138 - قال الحسن بن علي بن مقلة : كان أبو
علي ابن مقلة
يوماً يأكل ، فلمّا رفعت المائدة ،
وغسل يده ، رأى على ثوبه نقطةً صفراء من الحلواء التي كان يأكلها ، ففتح الدواة ،
واستمد منها ، ونقطها على الصفرة حتى لم يبق لها أثرٌ ، وقال : ذلك عيبٌ ، وهذا
أثر صناعةٍ ؛ ثم أنشد : ( إنّما الزّعفران عطر العذارى ** ومداد الدّوي عطر الرجال
) 139 - قال السلامي الشاعر : دخلت على عضد الدولة ، فمدحته ، فأجزل عطيّتي من
الثياب والدّنانير ، وبين يديه جامٌ ، فرآني ألحظه ، فرمى به إليّ ، وقال : خذه ؛
فقلت : وكل خيرٍ عندنا من عنده ؛ فقال عضد الدولة : ذاك
أبوك ! فبقيت متحيّراً لا أدري ما أراد ؛ فجئت أستاذا لي ، فشرحت له الحال ؛ فقال
: ويحك ! قد أخطأت خطيئة عظيمةً ، لأن هذه الكلمة لأبي نواس يصف كلباً حيث يقول :
( أنعت كلباً أهله في كدّه ** قد سعدت جدودهم بجدّه ( وكل
خيرٍ عندهم من عنده ) قال : فعدت متّشحاً بكساء ، ووقفت بين يدي الملك أرعد ، فقال
: ما لك ؟ قلت : حممت الساعة ، قال : هل تعرف سبب حمّاك ؟ قلت : نظرت في شعر أبي
نواس ، فحممت ؛ قال : لا تخف ، لا بأس عليك من هذه الحمى ؛ فسجدت له ، وانصرفت
140 - قال يموت بن المزرّع : جلس الجمّاز
يأكل على مائدةٍ
بين يدي جعفر بن القاسم ، وجعفر يأكل
على مائدةٍ أخرى مع قومٍ ، وكانت الصحفة ترفع من بين يدي جعفر فتوضع [ بين ] يديّ
الجمّاز ومن معه ، فربّما جاء قليل وربما لم يجيء شيءٌ ، فقال الجمّاز : أصلح الله
الأمير ، ما نحن اليوم إلا عصبةٌ ، ربّما فضل لنا بعض المال ، وربّما أخذه أهل
السهام ولا يبقى لنا شيءٌ
141 - قال يموت : وكان أبي والجمّاز يمشيان
، وأنا خلفهما ، فمررنا بإمام وهو ينتظر من يمرّ عليه فيصلي معه ، فلمّا رآنا أقام
الصلاة مبادراً ، فقال له الجمّاز : دع عنك هذا ، فإنّ رسول الله [ صلى الله عليه
وسلم ] نهى أن يتلقّى الجلب
142 - قال عافية بن شبيبٍ : لما دخل
الجمّاز على المتوكل ، قال له : تكلّم ، فإنّي أريد أن أستبرئك ؛ فقال : له
الجمّاز : بحيضةٍ أو حيضتين ؟ فضحك الجماعة
فقال له الفتح [ بن خاقان ] : قد
كلّمت أمير المؤمنين فيك حتى ولاّك جزيرة القرود ؛ فقال الجمّاز : أفلست في السمع
والطاعة أصلحك الله ؟ فحصر الفتح وسكت ، فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم ، فأخذها
وانحدر ، فمات فرحاً بها
143 - قال أحمد بن المعدل : كنت جالساً عند
عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ،
فجاءه بعضٌ جلسائه ، فقال : أعجوبةٌ
! قال : ما هي ؟ قال : خرجت إلى حائطي بالغابة ، فلمّا أصحرت وبعدت عن البيوت ،
تعرّض لي رجلٌ ، فقال : اخلع ثيابك ! قلت : وما يدعوني إلى خلع ثيابي ؟ قال : أنا
أولى بها منك ، قلت : ومن أين ؟ قال : لأني أخوك وأنا عريانٌ وأنت مكتسٍ ؛ قلت :
فالمواساة ! قال : كلا ، قد لبستها برهةٌ ، وأنّا أريد أن ألبسها كما لبستها ؛ قلت
: فتعريني وتبدي عورتي ؟ قال : لا بأس بذلك ، فقد روّينا عن مالك أنّه قال : لا
بأس للرّجل أن يغتسل عرياناً ؛ قلت : فيلقاني الناس فيرون عورتي ؟ ! قال : لو كان
الناس يرونك في هذه الطريق ما عرضت لك فيها ؛ فقلت : إني أراك ظريفاً ، فدعني حتى
أمضي إلى حائطي وأنزع هذه الثياب ، وأوجه بها إليك ؛ قال : كلا ، أردت أن توجه إلى
أربعةً من عبيدك ، فيحملوني إلى السلطان ، فيحبسني ، ويمزق جلدي ، ويطرح في رجلي
القيد ؛ قلت : كلا ، أحلف لك أيماناً أني أفي لك بما وعدتك ولا أسؤوك ! قال : كلا
! إنّا روّينا عن مالك أنّه قال : لا تلزم الأيمان التي يحلف بها للصوص ؛ قلت :
فأحلف لك إنّي لا أحتال في أيماني هذه ؛ قال : هذه يمين مركبةٌ على أيمان اللصوص ؛
قلت : فدع المناظرة بيننا ، فوالله لأوجّهن إليك هذه الثياب طيبةٌ بها نفسي ؛
فأطرق ، ثم رفع رأسه ، وقال : تدري فيم فكرت ؟ قلت : لا ؛ قال : تصفحت أمر اللصوص
من عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وإلى وقتنا هذا فلم أجد لصاً أخذ نسيئةٌ
، وأكره أن أبتدع في الإسلام بدعةً يكون عليّ وزرها ووزر من
عمل بها بعدي إلى يوم القيامة ، اخلع
ثيابك ؛ فخلعتها ودفعتها إليه
144 - شاهد عبيد الله بن محمدٍ الخفّاف
لصّاً قد أخذ ، وشهد عيه أنّه كان يفشّ الأقفال في الدور اللطاف ، فإذا دخل ، حفر
في الدار حفرةً لطيفةً كأنّها بئر النرد ، وطرح فيها جوزاتٍ كأنّه يلاعب إنساناً ،
وأخرج منديلاً فيه نحو مئتي جوزةً ، فتركه إلى جانبها ، ثم يكور جميع ما يطيق حمله
، فإن لم يفطن به خرج ، وإن جاء صاحب الدار ترك القماش وأفلت ، وإن كان صاحب الدار
جلداً ، فواثبه ، وصاح : اللصوص ! واجتمع الجيران ، أقبل عليه ، وقال : ما أبردك !
أنا أقامرك بالجوز منذ شهور ، قد أفقرتني وأخذت كل ما أملكه ، لأفضحنّك بين جيرانك
، لمّا قمرتك الآن تصيح ! يا غثّ ! يا بارد ! بيني وبينك دار القمار ، قل قد ضغوت
حتى أخرج ! فيقول الجيران : إنّما
يريد أن لا يفضح نفسه بالقمار ، فقد ادعي على ذا اللصوصية ؛ فيحولون بينهما ،
ويخرجون اللص
145 - دخل لصٌ بيت قوم ، فلم يجد فيه شيئاً
، فكتب على الحائط : ' عزّ علي فقركم وغناي '
146 - دخل لصٌ داراً ، فأخذ ما فيها وخرج ،
فقال صاحب الدار : ما أنحس هذه
الليلة ! فقال اللص : ليس على كل أحدٍ
147 - قال أبو حاتم : أنشدنا
الأصمعي : ( إذا جاء يومٌ صالحٌ فاقبلنه ** فأنت على يوم الشقاء قدير ) ثم قال :
أتدرون من أين أخذت هذا ؟ من قول العيّارين : أكثر من التخم ، فأنت على الجوع قادر
148 - قال إسحاق بن إبراهيم القزاز : كنّا
عند بندار ، فقال في حديث : عن عائشة ، قال : قالت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم
] ، فقال له رجلٌ يسخر منه : بالله ما أفضحك ! فقال : كنّا إذا خرجنا من عند روحٍ
دخلنا على أبي عبيدة ، قال : فقد بان ذلك عليك
149 - قال الأصمعي : كان بعض الكرماء في
مجلسه وعنده جماعةٌ ، فضرط رجلٌ من جلسائه ، فانقبض لذلك ، واغتمّ بانقباضه صاحب
المجلس ، فلمّا كان من الغد ، أمر فترك تحت الفرش نفّاخة السمك ، فلمّا جلس الناس
عنده تفرقعت من تحت الجلساء ، فقال :
ما هذا ؟ انظروا ! فأخرجت وقد انشقّت
، فقال : هذا بالأمس ، وهذا اليوم ! وأمر بصفع الفراشين ، فزالت الظنّة عن الضّارط
، وبرئت ساحته . 150 - قال أبو أحمد
العسكري : حدثني شيخٌ من شيوخ بغداد ، قال : كان حيّان بن بشرٍ قد ولي قضاء بغداد
وقضاء إصبهان أيضاً ، وكان من جلّة أصحاب الحديث ، فروى يوماً أنّ عرفجة قطع أنفه
يوم الكلام ! وكان مستمليه رجلاً يقال له : كجّة ، فقال : أيّها القاضي ! إنّما هو
يوم الكلاب ؛ فأمر بحبسه ، فدخل إليه الناس ، وقالوا : ما الذي دهاك ؟ فقال : قطع
أنف عرفجة في الجاهلية ، وامتحنت أنا به في الإسلام
151 - قال محمد بن حفص جارُ بشر : دخلنا
على بشر بن الحارث وهو مريضٌ ، فقال له رجلٌ : أوصني ! فقال : إذا دخلت إلى مريضٍ
فلا تطل القعود عنده
152 - دفع أبو الطّيب الطبري خفاً إلى خفاف
ليصلحه ، فكان كلّما مرّ عليه يتقاضاه ، وكان الخفّاف كلما رأى القاضي أخذ الخف
وغمسه في الماء ، وقال : الساعة الساعة ؛ فلمّا طال عليه ، قال له : إنّما دفعته
إليك لتصلحه ، ولم أدفعه إليك لتعلّمه السباحة ! 153 - قال
عبدالله بن البوّاب : كان المأمون يحلم حتى يغيظنا في بعض الأوقات ؛ جلس يستاك على
دجلة من وراء ستر ونحن قيامٌ
بين يديه ، فمرّ ملاّحٌ وهو يقول :
أتظنّون أنّ هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه ؟ قال : فوالله ما زاد على أن
تبسّم ، وقال لنا : ما الحيلة
عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل ؟ ! 154 - قال أبو الحسن المدائني : قال
بعض أهل العلم : كان لنا صديقٌ من أهل البصرة ، وكان ظريفاً أديباً ، فوعدنا أن
يدعونا إلى منزله ، فكان يمرّ بنا ، فكلما رأيناه قلنا له : ! ( متى هذا الوعد إن
كنتم صادقين ) ! [ 21 سورة الأنبياء / الآية : 38 ]
فيسكت إلى أن اجتمع ما نريد ، فمرّ
بنا ، فأعدنا عليه ، فقال : ! ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ) ! [ 77 سورة
المرسلات / الآية : 29 ]
155 - قال الزهري : سمعت سعيد بن المسيب
يقول لرجل : ألك امرأةٌ إذا أخذتها قالت لك : قتلتني ؟ قال : نعم ! قال : فاقتلها
، فإن ماتت ، فعلي ديتها
156 - قال أبو محمدٍ عبد الله بن علي
المقرئ : كان حاجب الباب ابن النسوي ذكياً ، فسمع في بعض ليالي الشتاء بصوت
برّادةٍ ، فأمر بكبس الدّار ، فأخرجوا رجلاً وامرأة ، فقيل له : من أين علمت ؟
فقال : في الشتاء لا يبرّد الماء ، وإنّما هذه علامةٌ بين هذين . 157 - كان
لأحمد بن الخصيب وكيلٌ في ضياعه ، فرفعت عليه جنايةٌ ، فهرب ، فكتب إليه أحمد
يؤنسه ويحلف له على بطلان ما اتصل به ، ويأمره بالرّجوع ، فكتب إليه :
( أنّا لك عبدٌ سامعٌ ومطيعٌ ** وإنّي
بما تهوى إليك سريع ولكن لي كفّاً أعيش بفضلها ** فما أشتري إلا بها وأبيع أأجعلها
تحت الرّحى ثمّ أبتغي ** خلاصاً لها ! إنّي إذن لرقيع ) 158 - وروّينا أنّ المتوكل
قال : أشتهي أنادم أبا العيناء لولا أنّه ضريرٌ ؛ فقال أبو العيناء : إن أعفاني
أميرُ المؤمنين من رؤية الهلال ونقش الخواتيم فإني أصلح
159 - وقيل لأبي العيناء : بقي من يلقى ؟
قال : نعم ! في البئر
160 - قال علي بن سليمان الأخفش : سمعت أبا
العيناء يقول : كنت يوماً في الورّاقين ، إذ رأيت منادياً مغفّلاً ، في يده مصحف
مخلّق الأداة ، فقلت له : ناد عليه بالبراءة ممّا فيه ؛ وأنا أعني أداته ، فأقبل
ينادي بذلك ، فاجتمع أهل السّوق والمارّة على المنادي ، وقالوا لهُ : يا عدوّ الله ! تنادي
على مصحف بالبراءة ممّا فيه
قال : وأوقعوا به ، فقال لهم : ذلك
الرّجل القاعد أمرني بذلك ؛ فتركوا المنادي ، وأقبلوا عليّ ، ورفعوني إلى الوالي ،
وكتب في أمري إلى السلطان ، فأمر بحملي ، فحملت مستوثقاً مني ، واتصل خبري بابن
أبي داؤدٍ ، فلم يزل يتلطّف في أمري حتى خلّصني
161 - قال أبو العيناء : كان سبب خروجي من
البصرة وانتقالي عنها ، أني مررت بسوق النّخّاسين يوماً ، فرأيت غلاماً ينادي عليه
وقد بلغ ثلاثين ديناراً وهو يساوي
ثلاث مئة دينار ، فاشتريته ، وكنت أبني داراً ، فدفعت إليه عشرين ديناراً على أن
ينفقها على الصّناع ، فجاءني بعد أيّام يسيرةٍ ، فقال : قد نفدت النّفقة ، قلت :
هات حسابك ؛ فرفع حساباً بعشرة دنانير ، قلت : فأين الباقي ؟ قال : اشتريت به
ثوباً مصمتاً وقطعته ، قلت : ومن أمرك بهذا ؟ قال : يا مولاي ! لا تعجل ، فإن أهل
المروءات والأقدار لا يعيبون على غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود بالزّين على
مواليهم ؛ فقلت في نفسي : أنا اشتريت الأصمعي ولم أعلم !
قال : وكانت في نفسي امرأةٌ أردت أن
أتزوّجها سرّاً من ابنة عمي ، فقلت له يوماً : أفيك خيرٌ ؟ قال : إي لعمري ؛
فأطلعته على الخبر ، فقال : أنا نعم العون لك ؛ فتزوجت ، ودفعت إليه ديناراً ،
فقلت له : اشتر لنا كذا وكذا ، ويكون فيما تشتريه سمكٌ هازبى ؛ فمضى ، ورجع وقد
اشترى ما أردت ، إلا أنّه اشترى سمكاً مارماهى ، فغاظني ، فقلت : أليس أمرتك أن
تشتري هازبى ؟ قال : بلى ! ولكنّي
رأيت بقراط يقول : إنّ الهازبى يولّد السّوداء ويصف المارماهى ؛ ويقول : إنّه أقل
غائلةً ؛ فقلت : أنا لم أعلم إني اشتريت جالينوس ؟ ! وقمت إليه ، فضربته عشر مقارع
، فلمّا فرغت من ضربه ، أخذني وأخذ المقرعة ، وضربني سبع مقارع ، وقال : يا مولاي
! الأدب ثلاث ، والسبع فضلٌ ، ولذلك قصاصٌ ، فضربتك هذه السبع خوفاً عليك من
القصاص يوم القيامة ؛ فغاظني جدّاً ، فرميته ، فشجحته ، فمضى من وقته إلى ابنة عمي
، فقال لها : يا مولاتي !
الدين النصيحة ، وقد قال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' من
غشّنا فليس منا ' وأنا أعلمك أنّ مولاي قد تزوّج
واستكتمني ، فلمّا قلت له : لا بدّ
من إعلام مولاتي ، ضربني بالمقارع ، وشجّني ؛ فمنعتني بنت عمّي من دخول الدار ،
وحالت بيني وبين ما فيها ، فلم أر الأمر يصلح إلاّ بأن طلقت المرأة التي تزوّجتها
، فصلح أمري مع ابنة عمّي وسمّت الغلام ، ' النّاصح ' ، فلم يتهيّأ لي أن أكلّمه ،
فقلت : أعتقه وأستريح ، لعلّه أن يمضي عنّي ؛ فأعتقته ، فلزمني ؛ قال : الآن
وجب حقّك عليّ ؛ ثمّ إنّه أراد الحجّ ، فجهّزته وزوّدته ، وخرج ، فغاب عليّ عشرين
يوماً ، ثمّ رجع ، فقلت له : لم رجعت ؟ قال : قطع الطريق ، وفكّرت ، فإذا الله
تعالى يقول : ! ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ! [ 3 سورة آل
عمران / الآية : 97 ]
وكنت غير مستطيع ، وفكرت ، فإذا حقك
عليّ أوجب ، فرجعت ؛ ثم أراد الغزو ، فجهزته ، فشخص ، فلمّا غاب عني بعت كل ما
أملكه بالبصرة من عقارٍ وغيره ، وخرجت عنها خوفاً أن يرجع
162 - وسئل أبو العيناء عن حماد بن زيدٍ بن
درهم ، وحمّاد بن سلمة بن دينار ، فقال : بينهما في القدر ما بين أبويهما في الصرف
163 - وشكى بعض الوزراء كثرة الأشغال ،
فقال أبو العيناء : لا أراني الله يوم فراغك
164 - وشكى أبو العيناء إلى عبيد الله بن
سليمان تأخّر رزقه ، فقال : ألم نكن كتبنا لك إلى فلانٍ ، فما فعل في أمرك ؟ قال :
جرّني
على شوك المطل ؛ قال : أنت اخترته ؛ قال
: وما علي وقد اختار موسى قومه سبعين رجلاً ، فما كان فيهم رشيدٌ ، فأخذتهم الرجفة
، واختار رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ابن أبي سرح كاتباً ، فلحق بالكفّار
مرتدّاً واختار عليّ أبا موسى ، فحكم عليه ؟ !
165 - قال بعض العلويّة لأبي العيناء : أنت
تبغضني ، ولا تصحّ صلاتك إلاّ بالصّلاة عليّ ، لأنّك تقول : اللّهم صلّ على محمدٍ
وعلى آل محمدٍ ، قال : إذا قلت : ' الطّيّبين ' خرجت
منهم
166 - وقال له رجل : أشتهي أرى الشيطان ،
قال : انظر في المرآة
167 - كان علي بن عيسى الرّبعي يمشي على
جانب دجلة ، فرأى الرّضيّ والمرتضى في سفينةٍ ، ومعهما عثمان بن جنّي ، فقال : من
أعجب أحوال الشّريفين أن يكون عثمان جالساً بينهما وعليّ يمشي على الشط بعيداً
عنهما
168 - دخل حميد الطوسي على المأمون وعنده
بشرٌ المريسيّ ، فقال المأمون لحميد : أتدري من هذا ؟ قال : لا ! قال : هذا بشرٌ
المريسيّ ؛ فقال حميدٌ : يا أمير المؤمنين ! هذا سيّد الفقهاء ، هذا قد رفع عذاب
القبر ومسألة منكر ونكير ، والميزان والصّراط ، انظر هل يقدر أن يرفع الموت فيكون
سيّد الفقهاء حقّاً ؟ !
169 - قال السري : اعتللت بطرطوس علة الذرب
، فدخل عليّ هؤلاء القرّاء يعودوني ، فجلسوا ، فأطالوا ، فآذاني جلوسهم ، ثمّ
قالوا : إن رأيت أن تدعو الله ؟ فمددت يدي ، فقلت : الّلهمّ علّمنا أدب العيادة
170 - قال عبد الله بن سليمان بن الأشعث ؛
سمعت أبي يقول : كان هارون الأعور يهودياً ، فأسلم وحسن إسلامه ، وحفظ القرآن
والنحو ، فناظره إنسانٌ في مسألة ، فغلبه هارون ، فلم يدر المغلوب ما يصنع ، فقال
له : أنت كنت يهودياً فأسلمت ، فقال هارون : فبئس ما صنعت ؟ ! فغلبه في هذا أيضاً
171 - قال المبرّد : ضاف رجلٌ قوماً ،
فكرهوه ، فقال الرجل لامرأته : كيف نعلم مقدار مقامه ؟ فقالت : ألقِِ بيننا شرّاً
حتى نتحاكم إليه ، ففعل ، فقالت للضّيف : بالذي يبارك لك في غدوّك غداً ، أيّنا
أظلم ؟ فقال الضّيف : والذي يبارك لي
في مقامي عندكم شهراً ما أعلم
172 - لما دخل أبو محمد عبد الله بن أحمد
السمرقندي بيت المقدس ، قصد أبا عثمان ابن ورقاء ، فطلب منه جزءاً ، فوعده به ، ثم
رجع ورجع مرّات ، والشيخ ينسى ، فقال
له أبو محمدٍ : أيّها الشيخ ! لا تنظر إليّ بعين الصّبوة ، فإن الله تعالى قد
رزقني من هذا الشأن ما لم يرزق أبا زرعة الرّازي
فقال الشيخ : الحمد لله
ثم رجع إليه في طلب الجزء ، فقال
الشيخ : أيّها الشاب ! إنّي طلبت البارحة الأجزاء ، فلم أر جزءاً يصلح لأبي زرعة
الرّازي ! فخجل وقام
173 - كان أبو الحسين بن المتيّم الصوفي
يسكن الرّصافة ، وكان مطبوعاً مضحاكاً ، وكان دائماً يتولّع برجلٍ شاهد فيه غفلةً
، يعرف بأبي عبد الله إلكيا
قال ابن المتيّم : فلقيته يوماً في
شارع الرصافة ، فسلّمت عليه ، وصحت به : لتشهد
عليّ ؛ فاجتمع النّاس علينا ، فقال : بماذا ؟ قلت : إن الله تعالى إله واحدٌ لا
إله إلا هو وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأن الجنّة حقّ ، والنّار حقّ ، والسّاعة
آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ؛ فقال : أبشر يا أبا الحسين !
سقطت عنك الجزية ، وصرت أخاً من إخواننا
فضحك النّاس وانقلب الولع بي
174 - استأجر رجلٌ رجلاً يخدمه ، فقال له : كم
أجرتك ؟ قال : شبع بطني ؛ فقال له : سامحني ؛ فقال : أصوم كل اثنين وخميس
175 - قال الجاحظ : كنت مجتازاً في بعض
الطرق فإذا أنا برجلٍ قصيرٍ بطينٍ كبير الهامة ، متّزرٍ بمئزرٍ وبيده مشطٌ ، يسقي
به شقةً ، ويمشطها به ؛ فاستزريته ، فقلت : أيها الشيخ ! قد قلت فيك
شعراً ؛ فترك المشط من يده ، وقال :
هات ؛ فقلت : ( كأنّك صعوةٌ في أصل حشّ ** أصاب الحشّ طشٌ بعد رش ) فقال لي : اسمع
الجواب ؛ قلت : هات ! فقال : ( كأنّك
كندنٌ في ذنب كبش ** يدلدل هكذا والكبش يمشي ) 176 - منع عمرو بن العاص أصحابه ما
كان يصل إليهم ؛ فقام إليه رجلٌ ، فقال له : اتّخذ
جنداً من الحجارة لا تأكل ولا تشرب ؛ فقال له عمرو : اخسأ أيّها الكلب
فقال له الرجل : أنا من جندك ، فإن
كنت كلباً فأنت أمير الكلاب وقائدها
177 - قال رجلٌ لغلامه : يا فاجر ! فقال :
مولى القوم منهم
178 - قال الصّاحب بن عباد : جئت من دار
السلطان ضجراً من أمر عرض لي ؛ فقال لي رجلٌ : من أين أقبلت ؟ فقلت : من لعنةِ
الله ؛ فقال : ردّ الله عليك غربتك
179 - قال شيخنا أبو منصور ابن زريق : كان
رجلٌ من
الأصبهانّيين قد لازم أبي يسمع منه
الحديث ، فأضجره ، فخرج أبي يوماً ، فتبعه الأصبهانيُّ ، وقال له : إلى أين ؟ قال
: إلى المطبق ، قال : وأنا معك
180 - قال رجلٌ لرجلٍ : بماذا تداوي عينك ؟
قال : بالقرآن ودعاء العجوز ؛ فقال : اجعل معهما شيئاً من أنزروت
181 - قال الأصمعي : رأيت
رجلاً قاعداً في زمن الطّاعون يعدّ الموتى في كوزٍ ، فعدّ أوّل يوم عشرين ومئة
ألفٍ ، وعدّ في اليوم الثاني خمسين ومئة ألفٍ ؛ فمرّ قومٌ بميتّهم وهو يعدّ ، فلما
رجعوا إذا عند الكوز غيره ، فسألوا عنه ، فقالوا : هو
في الكوز
182 - قال جعفر بن يحيى لبعض جلسائه :
أشتهي والله أن أرى إنساناً تليق به النعّمة ؛ فقال : أنا أريك ؛ قال : هات ؛ فأخذ
المرآة وقرّبها من وجهه
183 - قال أبو الحسن السّلاميّ الشاعر :
مدح الخالديان سيف الدّولة ابن حمدان بقصيدةٍ أوّلها : ( تصدّ ودارها صدد **
وتوعده ولا تعد وقد قتلته ظالمةً ** فلا عقلٌ ولا قود ) وقال فيها في مدحه : (
فوجهٌ كلّهُ قمرٌ ** وسائر جسمه أسد ) فأعجب بها سيف الدّولة واستحسن هذا البيت ،
وجعل يردّده ؛ فدخل عيه الشّيظميُّ الشاعر ، فقال له : اسمع هذا البيت ؛ وأنشده ؛
فقال الشيظميُّ : احمد ربّك ! فقد جعلك من عجائب البحر
184 - سئل جحظةُ عن دعوة حضرها ، فقال :
كلُّ شيءٍ كان منها بارداً إلاّ الماء
185 - قال شاعرٌ لشاعر : أنا أقول البيت
وأخاه ، وأنت تقوله وابن عمّه
186 - قال أبو حنيفة السائح : لقيت بهلول
المجنون وهو يأكل في السوق ، فقلت : يا بهلول ! تجالس جعفر بن محمدٍ ، وتأكل في
السوق ؟ ! فقال : حدّثنا مالك بن
أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول :
' مطل الغني ظلمٌ ' ولقيني الجوع وخبزي في كمي ، فما أمكنني أماطله
187 - قال عليّ بن الحسين الرّازي : مرّ
بهلول بقومٍ في أصل شجرةٍ ، فقالوا : يا بهلول ! تصعد هذه الشجرة وتأخذ عشرة دراهم
؟ فقال : نعم ؛ فأعطوه
عشرة دراهم ، فجعلها في كمّه ، ثمّ التفت إليهم ، فقال : هاتوا
سلّماً ؛ فقالوا : لم يكن هذا في شرطنا ! قال : كان في شرطي
188 - ومرّ بهلول بسويق البزّازين ، فرأى
قوماً مجتمعين على باب دكّانٍ قد نقب ، فنظر فيه ، وقال : ما تعلمون من عمل هذا ؟
قالوا : لا ، قال : فأنا أعلم
فقالوا : هذا مجنونٌ ، يراهم بالليل
ولا يتحاشونه ، فالطفوا به لعلّه يخبركم ؛ فقالوا : خبرنا ؛ قال : أنا جائع ؛
فجاؤه بطعام سني وحلواء ، فلمّا شبع ، قام ، فنظر في النّقب ، وقال : هذا عمل
اللّصوص
189 - وسئل بهلول عن رجلٍ مات وخلّف ابناً
وبنتاً وزوجةً ، ولم يترك شيئاً ؛ فقال : للابن
اليتم ، وللبنت الثكل ، وللزوجة خراب البيت ، وما بقي للعصبة
190 - ودخل بهلول وعليّان المجنون على موسى
ابن المهديّ ، فقال لعليّان : إيش معنى عليّان ؟ فقال عليّان : فإيش معنى موسى ؟
فقال : خذوا برجل ابن الفاعلة ؛ فالتفت عليّان إلى بهلول ، فقال : خذ إليك ، كنّا
اثنين صرنا ثلاثة
191 - بعث بلال بن أبي بردة إلى ابن أبي
علقمة المجنون ، فلمّا جاء قال له : أحضرتك لأضحك منك ! فقال المجنون : لقد ضحك
أحد الحكمين من صاحبه ؛ يعرض بأبي موسى
192 - قال أبو جعفر محمد بن جعفر البربي :
مررت بسائل على الجسر وهو يقول : مسكيناً ضريراً ؛ فدفعت إليه قطعة
وقلت لهُ : لم
نصبت ؟ فقال : فديتك ! بإضمار ' ارحموا '
193 - قال محمد بن القاسم : سئل
بعض المجّان ، فقيل لهُ : كيف أنت في دينك ؟ فقال : أخرقه بالمعاصي ، وأرقعه
بالاستغفار
194 - صحب مجوسي قدرياً ، فقال له القدري :
مالك لا تسلم ؟ قال : حتى يريد الله ! قال : قد أراد ذلك ، ولكن الشّيطان لا يريده
؛ قال : فأنا مع أقواهما
195 - قال محمد بن سكرة : دخلت حماماً ،
وخرجت وقد سرق مداسي ، فعدت إلى داري حافياً ، وأنا أقول : ( إليك أذم حمّام ابن
موسى ** وإن فاق المنى طيباً وحرّا تكاثرت اللّصوص عليه حتى ** ليحفى من يطيف به
ويعرى )
( ولم أفقد به ثوباً ولكن ** دخلت
محمداً وخرجت بشراً ) 196 - جهل
رجل على بعض العلماء ، فقال العالم : جرح العجماء جبار
197 - قال محمد بن يوسف القطان : يحكى أن
أبا الحسين الطّرائفي لمّا رحل إلى عثمان بن سعيد الدّرامي ، فدخل عليه ، قال له
عثمان : متى قدمت هذا البلد ؟ فأراد أن يقول : أمس ، فقال : قدمت غداً
فقال له عثمان : فأنت بعد في الطريق
198 - جاء رجل إلى ابن عقيل ، فقال له :
إني أغتمس في النهر غمستين وثلاثاً ولا أتيقّن أنه قد عمّني الماء ولا أني قد
تطهّرت ! فقال له : لا تصل
قيل له : كيف قلت هذا ؟ قال : لأن
رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ' ومن
ينغمس في النهر مرّتين وثلاثاً ويظن أنه ما اغتسل ، فهو مجنون
199 - قال عبد الرّحمن بن صالح : دخل أبو
بكر ابن عيّاش على موسى بن عيسى وهو على الكوفة ، وعنده عبد الله بن مصعب الزّبيري
، فأدناه موسى ، ودعا له بتكاء ، فاتّكأ وبسط رجليه ، فقال
الزّبيري : من هذا الذي دخل ولم
يستأذن له ، ثم اتّكأته وبسطته ؟ قال : هذا فقيه الفقهاء والمرأس عند أهل المصر ،
أبو بكر ابن عيّاش ؛ قال الزّبيري : فلا كثير ولا طيب ، ولا مستحق لما فعلت به !
فقال أبو بكر للأمير : من هذا الذي يسأل عني بجهل ، ثم تتابع بسوء قول وفعل ؟
فنسبه له ، فقال له : اسكت مسكتاً ! فبأبيك غدر ببيعتنا ، وبقول الزور خرجت أمّنا
، وبابنه هدمت كعبتنا ، وبك أحرى ان يخرج الدّجّال فينا ؛ فضحك موسى حتى فحص
برجليه ، وقال للزّبيري : أنا والله أعلم أنّه يحفظ أهلك وأباك ويتولاه ، ولكنّك
مشؤوم على آبائك
200 - دخل كلثوم بن عمرو العتّابي على
المأمون وعنده إسحاق الموصلي ، فغمز المأمون إسحاق عليه ، فجعل العتّابي لا يأخذ
في شيء إلا عارضه فيه إسحاق ، فقال له العتّابي : ما اسمك ؟ فقال : كل بصل ؛ قال :
هذا اسم منكر
قال : أتنكر أن يكون اسمي كل بصل
واسمك كل ثوم ! والبصل أطيب من
الثوم ! ؟ فقال : أظنك إسحاق ! فقال : نعم ؛ فتوادّا
201 - خرج الرشيد يوماً في ثياب العوام
ومعه يحيى بن خالد وخالد الكاتب وإسحاق بن إبراهيم الموصلي وأبو نواس وعليهم ثياب
العامة ، فنزلوا سهرية مع ملاّح غريب اختلاطا بالعوام
فنزل معهم
عامي ، فثقل على الرشيد ، وهمّ
بإخراجه وعقوبته ، فقال أبو نواس : عليّ
إخراجه من غير إساءةٍ إليه ؛ فقال أبو نواس للجماعة : عليّ مأكولكم من اليوم وإلى
يوم مثله ؛ فقال الرشيد : وعليّ مشروبكم من اليوم وإلى يوم مثله ؛ وقال يحيى :
عليّ مشمومكم من اليوم وإلى يوم مثله ؛ وقال خالد : عليّ
بقلكم من اليوم إلى يوم مثله ؛ وقال إسحاق : عليّ أن أغنيكم من اليوم إلى يوم مثله
؛ ثمّ التفت أبو نواس إلى الرجل ، فقال : ما الذي لنا عليك أنت ؟ فقال : عليّ أن
لا أفارقكم من اليوم إلى يوم مثله ؛ فقال الرشيد : هذا
ظريفٌ لا يحسن إخراجه ، فصحبهم في تفرّجهم بقيةً يومهم
202 - تغدى أعرابيٌ مع مزبدٍ ، فقال له
مزبد : كيف مات أبوك ؟ فأخذ يحدثه بحاله وأخذ مزبّد يمضي في أكله ، فلمّا فطن
الأعرابي ، قطع الحديث ، وقال له : أنت ! كيف
مات أبوك ؟ فقال : فجأة ؛ وأخذ يأكل
203 - قال سفيان الثّوري : ما نظرت قطّ إلى
ثقيل أو بغيضٍ إلا كحّلت عينيّ بماء وردٍ مخافة أن يكون قد التصق بها شيءٌ
204 - قال بعض المجّان : قال إبليس : لقيت
من أصحاب البلغم شزّةً ، ينسون ويلعنوني !
205 - قال الجمّاز : قال لي أبو كعب القاص
: والدتي بالبصرة ، وأنا شديد الشّفقة عليها ، وأخاف إن حملتها إلى بغداد في الماء
أن تغرق ، وإن حملتها على الظّهر أن تتعب ، فما تشير عليّ في أمرها ؟ فقلت له :
أشير عليك أن تأخذ بها سفتجةً
206 - قال محمد بن حرب الهلالي : أتيت
بمزبدٍ في تهمةٍ ، فضربته سبعين درّةً ، ثمّ تبيّن لي أنّه كان مظلوماً ، فدعوته ،
وقلت : أحلنّي منها ، فقال : لا تعجل ، ودعها لي عندك ، فإنّي أجيء إليك كثيراً ،
فكلّما وجب عليّ شيءٌ قاصصتني عليها
فكنت أوتى به في الشيء الذي يجب عليه
فيه التقويم ، فأحاسبه على العشرة منها وعلى الخمسة ، حتى استوفى
207 - قال الحسين بن فهم : كان المرتمي -
مضحك الرّشيد - يأكل قبل طلوع الشمس ، فقيل له : لو انتظرت حتى تطلع الشمس ! فقال
: لعنني الله إن انتظرت غائباً من وراء سمرقند ، لا أدري ما يحدث عليه في الطريق
208 - قال أبو العيناء : دفع الجمّاز إلى
غسّال ثياباً ، فدفع إليه
أقصر منها ، فطالبه ، فقال : لمّا
غسلت تشمّرت
قال : ففي كم غسلةٍ يصير القميص
زنقاً
209 - نزل عيارٌ في شاروفة الدّار فانقطعت
، فوقع ، فانكسرت رجله ؛ فصاحت المرأة : خذوه ؛ فقال لها : ما عليك عجلةٌ ، أنا
عندك اليوم وغداً وبعده
210 - قال سليمان الأعمش لابنه : اذهب
فاشتر لنا حبلاً يكون طوله ثلاثين ذراعاً ، فقال : يا أبةِ ! في عرض كم ؟ قالك في
عرض مصيبتي فيك
211 - قيل لجمّير : من يحضر مائدة فلانٍ ؟
فقال : أكرم الخلق
وألأمهم ، يعني : الملائكة والذباب
212 - رأى منصورٌ الفقيه ابنه يلعب ويعدو ،
فقال له : لو علمت أنّ رجلك من قلب أبيك لرفقت بها
213 - جاء شاعران إلى بعض النّحاة ، فقالا
: اسمع شعرنا
وأخبرنا بأجودنا ؛ فسمع شعر أحدهما ،
وقال : ذاك أجود ؛ قال له : فما
سمعت شعره ! ؟ ما يكون أنحس من هذا قطّ
214 - دخل قومٌ من بني تيم الله على مجنون
من بني أسدٍ ، فأكثروا العبث به ، فقال لهم : يا بني تيم الله ! ما أعلم قوماً
خيراً منكم
قالوا : كيف ؟ قال : بنو أسدٍ ليس فيهم
مجنونٌ غيري ، قد قيّدوني ؛ وأنتم كلّكم مجانين ، وليس فيكم مقيّدٌ
215 - قال سعيد بن حفص المدينيّ : قال أبي
: أتي المأمون بأسود قد ادّعى النبّوة ، وقال : أنا موسى بن عمران ! فقال له : إنّ
موسى أخرج يده من جيبه بيضاء ، فأخرج يدك بيضاء حتى أؤمن بك ! فقال الأسود : إنّما
فعل موسى ذلك لمّا قال فرعون : أنا ربّكم الأعلى ! فقل أنت كما قال حتى أخرج يدي
بيضاء ، وإلاّ لم تبيضّ
216 - سقي رجلٌ ماءً بارداً ، ثمّ عاد فطلب
، فسقي ماءً حارّاً ، فقال : لعلّ مزمّلتكم يعتريها حمى الرّبع
217 - قال الحسن بن موسى : أضاف رجلٌ رجلاً
، فقال المضيف : يا جاريةُ ! هاتِ خبزاً وما رزق الله ؛ فجاءت بخبزٍ وكامخٍ ؛ ثمّ
قال أيضاً : يا جاريةُ ! هات خبزاً وما رزق الله ؛ فجاءت
بخبزٍ وكامخٍ ؛ فقال الضيف : يا
جارية ! هات خبزاً ودعي ما رزق الله
218 - قال الماجشون : كان بالمدينة عطّاران
يهوديّان ، فأسلم أحدهما وخرج فنزل العراق ، فالتقيا ذات يوم ، فقال اليهودي
للمسلم : كيف رأيت دين الإسلام ؟ قال : خير دين ، إلاّ أنّهم لا يدعونا نفسو في
الصلاة كما كنّا نصنع ونحن يهودٌ ! فقال له اليهودي : ويلك ! افس وهم لا يعلمون ! . 219 -
قال ابن الأعرابي : قيل لكذّاب :
تذكر أنّك صدقت قطّ ؟ فقال : لولا
أني أخاف أن أصدق لقلت : نعم
220 - قال عبد الله بن أحمد المقرئ : صلى
بنا إمامٌ لنا وكان شيخاً صالحاً ، وقد اشترى سطلاً ، فاستحيا أن يجعله قدّامه في
الصلاة ، فجعله خلفه ، فلمّا ركع شغل قلبه به ، فظن أنّه قد سرق ، فرفع رأسه ،
فقال : ربنّا ولك السطل ! فقلت له : السطل خلفك ، لا بأس
221 - سمع يزيد بن أبي حبيبٍ رجلاً يقول :
جئت من أسفل الأرض ! فقال : كيف
تركت قارون ؟
222 - عن أبي حميدٍ أو حميدٍ ، قال : مرض
مولى لسعيد بن
العاص ، فبعث إلى سعيد بن العاص أنّه
ليس له وارثٌ غيرك ، وههنا ثلاثون ألفاً مدفونةٌ ، فإذا أنا مت فخذها ؛ فقال سعيدٌ
: ما أرانا إلا قد قصّرنا في حقه ، وهو من شيوخ موالينا ؛ فبعث إليه بفرسٍ ،
وتعاهده ، فلمّا مات اشترى له كفناً بثلاثِ مئة درهم ، وشهد جنازته ، فلمّا رجع
إلى البيت ، وردّ الباب ، وأمر أن يحفر الموضع الذي ذكر ، فلم يوجد شيءٌ ، ثمّ حفر
موضعٌ آخر فلم يوجد شيءٌ ، فحفر البيت كلّه فلم يوجد شيءٌ ، وجاءه صاحب الكفن يطلب
ثمن الكفن ، فقال : لقد هممت أن أنبش عنه
لما تداخله
223 - قال علي بن عاصم : تنبّأ حائكٌ
بالكوفة ، فاجتمع عليه الناس ، فقالوا : أتق
الله ، خف الله ، رأيت حائك نبيّ ؟ قال : ما تريدون أن يكون نبيّكم إلا صيرفيّ
القسم الرابع
فيما يروى من
ذلك عن العرب 224 - قال الأصمعي :
كان أعرابيّان متواخيين بالبادية ، فاستوطن أحدهما الريف ، واختلف إلى باب الحجّاج
، فاستعمله على أصبهان ، فسمع أخوه الذي بالبادية ، فضرب إليه ، فأقام ببابه حيناً
لا يصل إليه ، ثمّ أذن له بالدّخول ، فأخذه الحاجب ، فمشى به ، هو يقول : سلّم على
الأمير ؛ فلم يلتفت إلى قوله ، وأنشد : ( ولست مسلّماً ما دمت حيّا ** على زيدٍ
بتسليم الأمير ) فقال : لا أبالي ؛ فقال الأعرابي : ( أتذكر إذ لحافك جلد كبشٍ ** وإذ
نعلاك من جلد البعير ) فقال : نعم ، فقال الأعرابي : ( فسبحان الذي أعطاك ملكاً **
وعلمك الجلوس على السرير ) 225 - قال الأصمعي : أتيت البادية ، فإذا أعرابيّ قد
زرع برّاً ، فلمّا استوى وقام على سنبله ، مرّ به رجلٌ من جرادٍ ، وتضيّفوا به ،
فجعل الأعرابي ينظر إليه ولا حيلة له ، فأنشأ يقول :
( مر الجراد على زرعي فقلت له ** ألمم
بخيرٍ ولا تلمم بإفساد ) ( فقال منهم
عظيمٌ فوق سنبلةٍ ** إنّا على على سفرٍ لا بد من زاد ) 226 - قال
إبراهيم بن عمر : خرج أبو نواس في أيّام العشر يريد شراءَ أضحيةٍ ، فلمّا صار في المربد
إذا هو بأعرابي قد أدخل شاةً له يقدمها كبشٌ فارهٌ ، فقال : لأجرِّبنّ هذا
الأعرابي فأنظر ما عنده ، فإني أظنّه عاقلاً ؛ فقال أبو نواسٍ : ( أيا صاحب الشّاة
الّتي قد تسوقها ** بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدّما ) فقال الأعرابيّ : ( أبيعكه إن
كنت ممّن يريده ** ولم تكُ مزّاحاً بعشرين درهما ) فقال أبو نواسٍ : ( أجدت رعاك
الله ردَّ جوابنا ** فأحسن إلينا إن أردت التّكرما ) فقال الأعرابي : ( أحطُّ من
العشرين خمساً فإننّي ** أراك ظريفاً فأقبضنه مسلماً ) قال : فدفع إليه خمسة عشر
درهماً ، وأخذ كبشاً يساوي ثلاثين درهماً
227 - قال أبو جعفرٍ محمد بن عبد الرحمن
البصري : حدّثني ابن عائشة أنّ فتيان من فتيان أهل البصرة خرجوا إلى ظهر البصرة ،
فأخذوا في شرابهم ، وما زالوا
يتناشدون ويتنادمون ويتحدّثون حتى كربت الشمس أن تغرب ، فطلبوا خلوةً ممّن يغلُ
عليهم في شرابهم ، فإذا أعرابيٌ كالنّجم المنقض يهوي حتى جلس بينهم ، فقال بعضهم
لبعض : قد علمنا أنّ مثل هذا اليوم لا يتم لنا ؛ ثمّ قال أحدهم : ( أيها الواغل
الثّقيل علينا ** حين طاب الحديث لي ولصحبي ) فقال الآخر : ( خفَّ عنّا فأنت أثقل
واللّه ** علينا من فرسخي دير كعب ) فقال الثالث : ( فمن النّاس من يخف ومنهم **
كرحى البزر ركبت فوق قلب ) فقال الأعرابي : ( لست بالنّازح العشيّة والله ** لشجِّ
ولا لشدَّةِ ضرب أو تروون بالكبار حشاشي ** وتعلّون
بعدهن بقعبي ) وطرح قعباً كان معلّقاً ؛ فضحكوا من ظرفهِ ، وحملوه معهم إلى البصرة
، فلم يزل نديماً لهم
228 - قال العتبيّ : اشتدّ الحرُّ عندنا
بالبصرة وركدت الرّيح ، فقيل لأعرابيّ : كيف كان هواؤكم البارحة ؟ قال : أمسك !
كأنّه يسمع
229 - قال ابن الأعرابي : قال رجلٌ من
الأعراب لأخيه : تشرب الخازر من اللبن ولا تتنحنح ؟ فقال : نعم ؛ فتجاعلا جعلاً ،
فلمّا شربه آذاه ؛ فقال : كبشٌ أملحُ ، وبيت أفيح ، وأنَا فيه أتبحبح
فقال له أخوه : قد
تنحنحت ! فقال : من تنحنح فلا أفلح
230 - قال إبراهيم بن المنذر الحزاميّ :
قدم أعرابيُّ من أهل البادية على رجلٍ من أهل الحضر ، فأنزله ، وكان عنده دجاجٌ
كثيرٌ ، وله امرأة وابنان وبنتان
قال : فقلت لامرأتي : اشوي
دجاجةٌ وقدميها إلينا نتغدى بها ؛ وجلسنا جميعاً ، ودفعنا إليه الدجاجة ، فقلنا :
اقسمها بيننا ؛ نريد بذلك أن نضحك منه ، قال : لا أحسن القسمة ، فإن رضيتم بقسمتي
قسمت بينكم ؛ قلنا : نرضى ؛ فأخذ رأس الدجاجة ، فقطعه ، فناولينه ، وقال : الرّأس
للرئيس ؛ ثمّ قطع الجناحين ، وقال : الجناحان
للابنين ؛ ثمّ قطع السّاقين ، وقال : الساقان للابنتين ؛ ثمّ قطع الزّمكّى ، وقال
: العجز للعجوز ؛ ثمّ قال : والزّور للزائر ؛ فلمّا كان من الغد ، قلت لامرأتي :
اشوي لي خمس دجاجاتٍ ؛ فلمّا حضر الغداء ، قلنا : اقسم
بيننا ؛ قال : شفعاً أو وتراً ؟ قلنا : وتراً ، قال : أنت وامرأتك ودجاجةٌ ثلاثةٌ
؛ ثمّ رمى بدجاجةٍ ، وقال : وابناك ودجاجةٌ ثلاثةٌ ؛ ورمى إليهما بدجاجةٍ ، وقال :
وابنتاك ودجاجةٌ ثلاثةٌ ؛ ثمّ قال : وأنا ودجاجتان ثلاثةٌ ؛ فأخذ الدجاجتين ؛
فرآنا ننظر إلى دجاجتيه فقال : لعلّكم كرهتم قسمتي الوتر ؟ قلنا : اقسمها شفعاً ؛
فقبضهن إليه ، ثمّ قال : أنت وابناك
ودجاجةٌ أربعةٌ ؛ ورمى إلينا دجاجةٌ
، ثمّ قال : والعجوز وابنتاها ودجاجةٌ أربعة ؛ ورمى إليهنّ دجاجةٌ ، ثم قال : وأنا
وثلاث دجاجات أربعةٌ ؛ وضم ثلاث دجاجاتٍ ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : الحمد
لله ، أنت فهّمتنيها
231 - قال الشعبيّ : قال عمرو بن معدي كرب
: خرجت يوماً حتى انتهيت إلى حي ، فإذا بفرسٍ مشدودةٍ ورمحٍ مركوز ، وإذا صاحبه في
وهدةٍ يقضي حاجة له ، فقلت له : خذ حذرك ؛ فإني قاتلك ؛ قال : ومن أنت ؟ قلت : أنا
ابن معدي كرب ؛ قال : يا أبا ثور ! ما أنصفتني ؛ أنت على ظهر فرسك وأنا في بئرٍ !
فأعطني عهداً أنّك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري ؛ فأعطيته عهداً أني لا
أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره ؛ فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى احتبى بسيفه
وجلس ؛ فقلت له : ما هذا ! ؟ قال : ما أنا براكبٍ فرسي ، ولا مقاتلك ! فإن نكثت
عهداً فأنت أعلم ؛ فتركته ومضيت ؛ فهذا أحيل من رأيت
232 - قال قحذمٌ : وجد في سجن الحجّاج
ثلاثةٌ وثلاثون ألفاً ، ما يجب على أحدٍ منهم قطعٌ ولا قتلٌ ولا صلبٌ ، وأخذ فيهم
أعرابيٌّ رئي جالساً يبول عند ربط مدينة واسط ، فخلّي عنهم ، فانصرف الأعرابي وهو
يقول : ( إذا نحن جاوزنا مدينة واسطٍ ** خرينا وصلّينا بغير حساب ) 233 - سمع
أعرابيٌّ رجلاً يروي عن ابن عباس أنّه قال : من نوى الحجّ وعاقه عائقٌ كتب له
الحجّ ؛ فقال الأعرابي : ما وقع العام كراءٌ أرخص من هذا !
234 - استأذن حاجب بن زرارة على كسرى ،
فقال له الحاجب : من أنت ؟ فقال : رجلٌ من العرب ؛ فأذن له ، فلمّا وقف بين يديه ،
قال : من أنت ؟ قال : سيد العرب ؛ قال : ألم تقل للحاجب أنا رجلٌ منهم ؟ قال : بلى ! ولكني
وقفت بباب الملك وأنا رجلٌ منهم ، فلمّا وصلت إليه سدتهم ؛ فقال كسرى : زه ! احشوا
فاه درّاً
235 - نزل أعرابي في سفينةٍ ، فاحتاج إلى
البراز ، فصاح : الصلاة الصلاة ؛ فقربوا إلى الشطّ ، فخرج ، فقضى حاجته ، ثم رجع ،
فقال : ادفعوا ، فعليكم بعد وقتٌ
236 - قال مهدي بن سابقٍ : أقبل
أعرابيٌّ يريد رجلاً ، وبين يدي الرّجل طبقٌ فيه تينٌ ، فلمّا أبصر الأعرابي غطى
التين بكساءٍ كان عليه والأعرابي يلاحظه ، فجلس بين يديه ، فقال له الرّجل : هل
تحسن من القرآن شيئاً ؟ قال : نعم ؛ قال : فأقرأ ؛ فقرأ الأعرابي : ! ( والزيتون
وطور سينين ) ! [ 95 سورة التين / الآيتان : 1 و
2 ] قال الرجل : فأين ! ( التين ) ! ؟ قال : تحت كسائك
237 - قيل لأعرابي : كيف أصبحت ؟ قال :
أصبحت وأرى كلّ شيءٍ مني في إدبارٍ ، وإدباري في إقبال
238 - اشترى أعرابيٌّ غلاماً ، فقيل له :
إنّه يبول في الفراش ؛ فقال : إن وجد فراشاً فليبل فيه
239 - نظر أعرابيٌ إلى البدر في رمضان ،
فقال : سمنت وأهزلتني ، أراني فيك السّلّ
240 - قيل لبعضهم : أيّ وقتٍ تحبّ أن تموت
؟ قال : إن كان ولا بد ، فأوّل يوم من رمضان
241 - قال رجلٌ لرجلٍ : ممّن أنت ؟ قال : من
العرب ، من بني تميم
قال : من أكثرها أو من أقلها ؟ قال :
من أقلها . يشير إلى قوله
تعالى : ! ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) ! [ 49 سورة
الحجرات / الآية : 4 ]
242 - قال الأصمعي : حدّثني شيخٌ من بني
العنبر ، قال : أسر بنو شيبان رجلاً من بني العنبر ، فقال لهم : أرسلوا
إلى أهلي ليفدوني ؟ قالوا : ولا تكلم الرسول إلا بين أيدينا ؛ فجاءوه برسولٍ ،
فقال له : ائتِ قومي ، فقل لهم : إن الشجر قد أورق ، وإنّ النساء قد اشتكت ؛ ثمّ
قال له : أتعقل ؟ قال : نعم ، أعقل ؛ قال : فما هذا ؟ وأشار بيده إلى الليل ؛ فقال
: هذا الليل ؛ قال : أراك تعقل ، انطلق فقل لأهلي : عرّوا جملي الأصهب ، واركبوا
ناقتي الحمراء ، وسلوا حارثة عن أمري ؛ فأتاهم الرسول ، فأرسلوا إلى حارثة ، فقص
عليه القصة
فلمّا خلا معهم ، قال : أما قوله :
إن الشجر قد أورق ؛ فإنه : إن القوم قد تسلحوا ؛ وقوله : إن
النساء قد اشتكت ؛ فإنه يريد : إنها قد اتخذت
الشكاء للغزو ، وهي أسقيةٌ ، وقوله :
هذا الليل ؛ يريد : يأتونكم مثل
الليل أو في الليل ؛ وقوله : عروا جملي الأصهب ؛ يريد : ارتحلوا
عن الصمان ؛ وقوله : واركبوا ناقتي ؛ يريد : اركبوا الدّهناء
فلمّا قال لهم ذلك تحولوا من مكانهم
، فأتاهم القوم ، فلم يجدوهم
243 - قال ابن الأعرابي : أسرت طيىء رجلاً
شاباً من العرب ، فقدم عليه أبوه وعمّه ليفدياه ، فاشتطوا عليهما في الفداء ،
وبذلاً ما لم يرضوا ، فقال أبوه : لا والذي جعل الفرقدين يصبحان ويمسيان على جبلي
طيىءٍ لا أزيدكم على ما أعطيتكم ؛ ثمّ انصرفا ، فقال الأب للعم : لقد ألقيت إلى
ابني كلمةٌ إن كان فيه خيرٌ لينجونّ ؛ فما لبث أن نجا ، وطرد قطعةً من إبلهم ،
كأنّه قال له : الزم الفرقدين على جبلي طيىءٍ ، فإنّهما طالعان عليه ، ولا يغيبان
عنه
244 - قال عيسى بن عمر : ولي أعرابيٌ
البحرين ، فجمع يهودها ، فقال : ما تقولون في عيسى بن مريم ؟ قالوا : نحن قتلناه
وصلبناه ؛ قال : فوالله لا
تخرجون حتى تؤدوا ديته ؛ فأخذها منهم
245 - وولي أعرابيٌّ تبالة ، فصعد المنبر ،
فقال : إنّ الأمير ولاّني
بلدكم ، وإني والله ما أعرف من الحق
موضع سوطي ، ولا أوتى بظالم ولا مظلومٍ إلا أوجعتهما ضرباً ، فكانوا يتعاطون الحق
بينهم ولا يترافعون إليه
246 - قال نصرٌ بن سيار : قلت لأعرابي : هل
أتخمت قط ؟ فقال : أمّا من طعامك وطعام أبيك فلا
فيقال : إن نصراً حم من هذا الجواب
أياّماً
247 - سافر أعرابيٌّ في وجهٍ فلم ينجح ،
فقال : ما ربحنا في سفرنا إلا قصر الصلاة
248 - كان عامر بن ذهلٍ من أشد الناس قوةً
، فأسن وأقعد ، فاستهزأ به شبابٌ من قومه وضحكوا منه ، فقال : إني ضعيف ، فادنوا
مني ، فاحملوني ؛ فدنوا منه ليحملوه ، فضمَّ رجلين إلى إبطه ، ورجلين بين فخذيه ،
ثمّ زجر بعيره ، فنهض بهم مسرعاً ، فقال : بني أخيّ ! أرجلكم والعرفط ؛ فأرسلها
مثلاً
القسم الخامس
ما يروي عن العوام
)
249 - عن محمد بن سلام ، قال : لقي روح بن
حاتم بعض الحروب ، فقال لأبي دلامة وقد دعا رجلٌ منهم إلى البراز : تقدم إليه ؛
قال : لست بصاحب قتالٍ ؛ قال : لتفعلنّ ؛ قال : إني جائعٌ ، فأطعمني ؛ فدفع إليه
خبزاً ولحماً ؛ وتقدّم ، فهمّ به الرجّل ، فقال له أبو دلامة : اصبر يا هذا ، أيّ
محاربٍ تراني ؟ ثمّ قال : أتعرفني ؟ قال : لا ؛ قال : فهل أعرفك ؟ قال : لا ! قال : فما
في الدنيا أحمق منّا ؛ ودعاه للغداء ، فتغدّيا جميعاً وافترقا ، فسأل روحٌ عما فعل
، فحدّث ، وضحك ، ودعا له ، فسأله عن القصة ، فقال : ( إنّي
أعوذ بروحٍ أن يقدّمني ** إلى القتال فتخزى بي بنو أسد آل المهلّب حبُّ الموت
ورثكم ** إذ لا أورث حبَّ الموتِ عن أحد ) 250 - قال أبو العبّاس ثعلب : لمّا ماتت
حمادةُ بنت عيسى امرأة المنصور ، وقف المنصور والنّاس معه على حفرتها ينتظرون مجيء
الجنازة وأبو دلامة فيه ، فأقبل عليه المنصور ، فقال : يا أبا دلامة ! ما أعددت
لهذا المصرع ؟ قال : حمادة بنت عيسى
يا أمير المؤمنين ؛ قال : فأضحك القوم
قال العتّابي : دخل أبو دلامة على
المهديّ ، فقال : أقطعني قطيعةً أعيش فيها أنا وعيالي ؛ قال : قد أقطعك
أميرالمؤمنين مئة جريبٍ من العامر ومئة جريبٍ من الغامر ؛ قال : وما الغامر ؟ قال
: الخراب الذي لا ينبت ؛ قال أبو دلامة : قد أقطعت أمير المؤمنين خمس مئة جريبٍ من
الغامر من أرض بني أسدٍ ؛ قال : فهل بقي لك حاجةٌ ؟ قال : نعم ! تأذن لي أن أقبل
يدك ؟ قال : ما إلى ذلك سبيلٌ ؛ قال : والله ما رددتني عن حاجةٍ أهون عليّ فقداً
منها
252 - وبلغنا عن أبي دلامةً أنّه دخل على
المهدي ، فأنشده قصيدةً ، فقال له : سلني حاجتك ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ! هب لي
كلباً ؛ فغضب ، وقال : أقول لك سلني حاجةً ، فتقول هب لي كلباً ؟ ! ! ! فقال : يا
أمير المؤمنين ! الحاجة لي أو لك ؟ قال : لك ؛ فقال : أسألك أن تهب لي كلب صيدٍ ؛
فأمر له بكلبٍ ؛ قال : يا أمير المؤمنين ! هبني خرجت إلى الصيد ، أعدو على رجليّ ؟
فأمر له بدابّةٍ ؛ فقال : فمن يقوم عليها ؟ فأمر له بغلام ، فقال : يا أمير
المؤمنين ! فهبني صدت صيداً ، فأتيت به المنزل ، فمن يطبخه ؟ فأمر له بجاريةٍ ،
فقال : هؤلاء أين يبيتون ؟ فأمر له بدارٍ ، فقال : يا أمير المؤمنين ! قد صيّرت في
عنقي كفاً من العيال ، فمن أين يقوت هؤلاء ؟ قال : فإن أمير المؤمنين قد أقطعك ألف
جريبٍ عامرٍ وألف جريبٍ غامرٍ ؛ فقال : أمّا العامر فقد عرفته ، فما الغامر ؟ قال
: الخراب الذي لا شيء فيه ؛ فقال : أنا أقطع أمير المؤمنين مئة ألف جريبٍ بالدّوّ
، ولكنّي أسأل أمير
المؤمنين جريباً واحداً عامراً ؛ قال
: من أين ؟ قال : من بيت المال ؛ فقال المهديّ : حولوا المال وأعطوه جريباً ؛ فقال
: يا أمير المؤمنين ! إذا حول منه المال صار غامراً ؛ فضحك منه وأرضاه
253 - قال العنزيّ : أنشد رجلٌ أبا عثمان
المازنيّ شعراً له ، فقال : كيف تراه ؟ قال : أراك
قد عملت عملاً بإخراج هذا من جوفك ، لأنّك لو تركته لأورثك السل
254 - قال أبو سعيد عبد الله بن شبيبٍ :
حدّثني الزبير ، قال : كانت أمّ سلمة بنت يعقوب بن سلمة بعد موت أمير المؤمنين أبي
العباس لا تضحك ، فأنشدها مرثيةً رثاه بها ، فقالت : ما وجدت أحداً حزن على أمير
المؤمنين حزني وحزنك ! فقال : لا سواء رحمك الله ، لك منه ولدٌ وليس لي منه ولدٌ ! فضحكت
وقالت : لو أحدث الشيطان لأضحكته
255 - قال مالك بن أنسٍ : لهؤلاء الشّطَّار
ملاحةٌ ، كان أحدهم يصلي خلف إنسانٍ ، فقرأ الإنسان ! ( الحمد لله رب العالمين ) !
حتى فرغ منها ، ثمّ أرتج عليه ، فجعل يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان
الرجيم ؛ وجعل يردد ذلك ، فقال الشَّاطر : ليس
للشّيطان ذنبٌ إلا أنّك لا تحسن تقرأ
256 - قال الحميدي : كنّا عند سفيان بن
عيينة ، فحدّثنا بحديث زمزم أنّه لما شرب له ، فقام رجلٌ من المجلس ، ثمّ عاد ،
فقال له : يا أبا محمدٍ ! أليس الحديث الذي حدثتنا في زمزم صحيحاً ؟ فقال : نعم ،
قال : فإني قد شربت
الآن دلواً من زمزم على أنّك تحدّثني بمئة حديثٍ ، فقال سفيان : اقعد ؛ فحدّثه
بمئة حديثٍ
257 - قال أبو أحمد عبد الله بن عمر بن
الحارث الحارثي : اجتزت ببغداد في أيّام المقتدر وأنّا حدثٌ في جماعةٍ من مجّان
أصحاب الحديث ، وإذا بخادم خصي جالس على دكةٍ في الطريق ، وبين يديه أدويةٌ ومكاحل
ومباضع ، وعلى رأسه مظلة خرقٍ كما يكون الطبيب ، فتقدّم بعض أصحابنا إليه يعبث به
، فتعاشى وتماوت وتمارض وقال : يا أستاذ ! يا
أستاذ ! دفعاتٍ ؛ فضجر الخادم ، وقال : فقولي ، لا شفاك الله ؛ إيش أصابك ؟ أيّ
طاعونٍ ضربك ؟ فقال : يا أستاذ ! أجد ظلمةً في أحشائي ، ومغصاً في أطراف شعري ،
وما آكله اليوم يخرج غداً مثل الجيفة ؛ فصف لي صفةً لما أنا فيه ؛ فقال الخادم :
أمّا ما تجدين من مغصٍ في أطراف شعرك فاحلقي لحيتك ورأسك جميعاً حتى يذهب مغصك ،
وأمّا ظلمةٌ في أحشائك فعلّقي على باب جحرك قنديلاً يضيءٌ مثل السّاباط ، وأمّا ما
تأكلينه اليوم ويخرج غداً مثل الجيفة فكلي خراك واربحي النفقة
قال : فعطعط بنا العامّة القيام
وضحكوا منّا ، وانقلب الطنز الذي
أردنا بالخادم ، فصار طنزاً بنا ،
فصار قصارنا الهرب ، فهربنا
258 - قال عمر بن شبة : أتي معن بن زائدة
بثلاث مئة أسير ، فأمر بضرب أعناقهم ، فقدّم غلامٌ منهم ليقتل ، فقال : يا معن ! لا
يقتل أسراك وهم عطاشٌ ! فقال : اسقوهم ماءٌ ؛ فلمّا شربوا ، قام الغلام ، فقال :
أيها الأمير ! لا تقتل أضيافك ! فأطلقهم كلّهم
259 - قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك :
كان عندنا رجلٌ يكنى أبا نصرٍ ، من جهينة ، ذاهب العقل في غير ما النّاس فيه ،
يجلس مع أهل الصّفّة في آخر مسجد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فأتيته يوماً
، فقلت : ما الشرف ؟ قال : حمل ما ناب العشيرة ، والقبول من محسنها ، والتّجاوز عن
مسيئها ؛ قلت : ما المروءة ؟ قال : إطعام
الطعام ، وإفشاء السلام ، وتوقّي الأدناس ؛ قلت : ما السخاء ؟ قال : جهد
مقل ؛ قلت : فما البخل ؟ قال : أف ؛ وحول وجهه عني ؛ قلت : أجبني ! قال
: قد أجبتك
260 - قال أبو بكر بن شاذان : بكر إبراهيم
بن محمدٍ بن عرفة نفطويه يوماً إلى درب الرّآسين ، فلم يعرف الموضع ، فتقدم إلى
رجلٍ يبيع البقل ، فقال له : أيّها الشيخ ! كيف الطريق إلى درب الرّآسين ؟ فالتفت
البقلي إلى جار له ، وقال : يا فلان ! ألا ترى إلى الغلام ! فعل الله به وصنع ، قد
احتبس عليّ ! فقال : وما الذي تريد منه ؟ قال : لم يبادر فيجبني بالسّلق ، بأيّ
شيءٍ أصفع هذا الخبيث ؟ لا يكنّي
قال : فتركه
ابن عرفة وانصرف من غير أن يجيبه بشيءٍ
261 - قال أبو علقمة النحوي : وقفت على
قصابٍ وقد أخرج بطنين سمينين ، فعلّقهما ، فقلت : بكم البطنان ؟ فقال : بمصفعان يا
مضرطان ؛ قال : فغطيت رأسي
وفررت لئلا يسمع النّاس فيضحكوا مني
262 - قال الكسائي : حلفت
أن لا أكلم عامياً إلا بما يوافقه ويشبه كلامه ؛ وقفت على نجار ، فقلت : بكم هذان
البابان ؟ فقال : بسلحتان يا مصفعان ؛ فحلفت أن لا أكلم عاميّاً إلا بما يصلح
263 - قال بشر بن حجرٍ : انقطع إلى أبي
علقمة غلامٌ يخدمه ، فأراد أبو علقمة البكور في حاجةٍ ، فقال : يا غلام ! أصقعت
العتاريف ؟ فقال له الغلام : زقفيلم ؛ قال أبو علقمة : وما ( زقفيلم ) ؟ قال : وما
( العتاريف ) ؟ قال : الدّيوك ، قال : ما صاح منها شيءٌ بعد
264 - قال جعفر بن نصرٍ : بينما أبو علقمة
النحوي في طريق ، ثار به مرارٌ ، فسقط ، فظنّ من رآه أنه مجنون ، فأقبل رجلٌ يعضُّ
أذنه ويؤذن فيها ، فأفاق ، فنظر إلى الجماعة حوله ، فقال : ما لكم قد تكأكأتم
عليَّ كما تتكأكؤون على ذي جنَّةٍ ؟ افرنقعوا عني ؟ فقال بعضهم لبعضٍ : دعوه !
فإنّ شيطانه يتكلّم بالهندية
265 - وقال عبد الله بن مسلمٍ : دخل أبو
علقمة النّحوي على أعين الطبيب ، فقال له : أمتع الله بك ، إنّي أكلت من لحوم هذه
الجوازل ، فطسأت طسأة ، فأصابني وجعٌ من الوالبة إلى دأية العنق ، فلم يزل يربو
وينمو حتى خالط الخلب والشراسيف ، فهل عندك دواء ؟ فقال أعين : خذ حرقفاً وسلقفاً
، فزهزقه وزقزقه ، واغسله بماء روثٍ واشربه ؛ فقال أبو علقمة : لم أفهم عنك ! فقال
أعين : أفهمتك كما أفهمتني
266 - قال صالح بن شابور : كان محمد بن
الحسن الجرجاني يتقعّر ويطلب التّعمق في الكلام مع كل أحدٍ ، فدخل الحمّام يوماً ،
فقال للقيم : أين الحديدة التي يمتلخ بها الطوطوة من الأخفيق ؟ فصفع القيم قفاه
بجلد النّورة وهرب ، فلمّا انصرف من الحمام ، أنفذ من حمله إلى صاحب الشرطة ، فحبس
، فكتب إليه من الحبس : أيّها الأستاذ ! قد أبرمني المحبسون بالمسألة عن السبب
الذي حبست له ؛ فإمّا أطلقتني وإمّا أعرفهم ؛ فبعث من أطلقه ، فاتّصل الخبر بالفتح
، فحدّث المتوكل ، فضحك ضحكاً عجيباً ، وقال : هذا والله ظريفٌ مليحٌ ، يجب أن
نغنيه عن الخدمة في الحمّام ؛ فوهب له مئتي دينار
267 - عن عليّ بن المحسن التنوخيّ ، عن
أبيه ، قال : كان أبو
جعفر الحسني من أهل البدو ، وكان
يعترض الحجّاج ، فيطالبهم بالخفارة ، وكان رجلٌ يعرف بأبي الحسن بن شاذان السيرافي
يظهر الإسلام ، فإذا أمن كاشف بالإلحاد ، وكان خليعاً ماجناً
فحجّ بعض الأمراء ، فأظهر ابن شاذان
أنّه يريد الحجٌ ، فاعترض القافلة أبو جعفر الحسنيُّ ، فقال أبو الحسن لأمير الحاج
: أنفذني إليه ؛ قال : أي شيءٍ تقول له ؟ قال : أقول له : نحن
قومٌ من فارس وغيرها ، لا نسب لنا في العرب ولا رغبةَ ، جاء أبوك إلينا ، فضرب
أدمغتنا ، وقال : حجوا هذا البيت ، فأطعناه ، وجئنا ؛ وجئت أنت تمنعنا ، فإن كان
قد بدا لكم ، فالله قد أقالكم ؛ فضحك الأمير وبعث غيره
268 - مدح رجلٌ رجلاً اسمه يسيرٌ ، فقال :
( ومدح يسيرٍ في البلاد يسيرُ ** ) فقيل له : إنّه لا يعطيك شيئاً ، فقال : إذا لم
يعطني قلت بيدي هكذا ؛ وضمّ أصابعه ؛ يعني : إنّه قليلٌ
269 - دخل رجلٌ على الصاحب بن عباد ، فقال
له الصّاحب : ما الكنية ؟ فقال الرّجل : ( وتتّفق الأسماء في اللّفظ والكنى **
كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق ) 270 - قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : دخل مطيع بن
إيّاس ويحيى بن زيادٍ على حمّاد الرّاوية ، فإذا سراجه على ثلاث قصباتٍ ،
قد جمع أعلاهن وأسفلهنّ بطينٍ ، فقال
يحيى : يا حمّاد ! إنّك لمسرفٌ مبتذلٌ لحرّ المتاع ، فقال له مطيعٌ : ألا تبيع هذه
المنارة وتشتري أقل ثمناً منها ، وتنفق علينا وعلى نفسك الباقي ؟ فقال له يحيى :
ما أحسن ظنّك به ! ومن أين له مثل هذه المنارة ؟ هذه وديعةٌ أو عاريةٌ ؛ فقال
مطيعٌ : إنّه لعظيم الأمانة عند الناس ! قال يحيى : وعلى عظم أمانته ، ما أجهل من
يخرج هذه من داره ويأمن عليها غيره ؛ فقال مطيعٌ : ما أظنها عاريةً ولا وديعةً ،
ولكني أظنها مرهونةً عنده على مالٍ ، وإلا فمن يخرج مثل هذه من بيته ؟ فقال حمادٌ
: شرٌّ منكما من يدخلكما إلى بيته
271 - قال أبو عبد الله ابن الأعرابي : كنت
جالساً بالكوفة ، فرأيت أعمى قد وقف بنخاس ، فقال : يا نخّاس ! أطلب لي حماراً ليس
بالكبير المشتهر ، ولا الصغير المحتقر ؛ إن خلا الطريق تدفق ، وإن كثر الزحام ترفق
؛ لا يصادم بي السواري ، ولا يدخلني تحت البواري ؛ إذا أقللت علفه صبر ، وإذا
أكثرته له شكر ؛ إن ركبته هام ، وإن ركبه غيري قام ؛ قال له النّخّاس : يا عبد
الله ! إن مسخ القاضي
حماراً ظفرت بحاجتك
272 - قال مجالدٌ : قال الشعبيّ : اخرج
بنا نخلو ؛ فخرجنا إلى الصحراء ، فمرّ به عبادي ، فقال له الشعبي : إيش
تعالج ؟ قال : الرفو ؛ فقال له : عندي دنّ مشقوق ، ترفوه لي ؟ فقال : إن
جئتني بخيوطٍ من ريحٍ رفوت لك رفواً
لا يرى
273 - سمع ابن الأعرابي رجلاً يقول : أتوسل
إليكم بعليّ ومعاوية ، فقال : جمعت بين ساكنين
274 - جاز أبو بكر ابن قانع بالكرخ في
أيّام الدّيلم وقوة الرفض ، فقالت له امرأةٌ : سيّدي أبو بكر ! فقال لها : لبّيك
يا عائشة ! فقالت : كأنّ اسمي
عائشة ! قال : فيقتلوني وحدي ! ؟ 275 - قيل لرجلٍ ركب في البحر : ما
أعجب ما رأيت ؟ قال : سلامتي
276 - نظر رجلٌ إلى أخوين لأب وأمٌ ،
أحدهما جميلٌ والآخر قبيحٌ ، فقال : ما أمّكما إلا شجرةٌ تحمل سنةً موزاً وسنةً
عفصاً
277 - شكا ضريرٌ شدة العمى ، فقال أعورٌ :
عندي نصفٌ الخبر . 278 - رأى بعضهم
شيخاً قد انحنى ، فقال : يا شيخٌ ! بكم القوس ؟ فقال : إن
عشت أخذته بلا شيءٍ
279 - ورأى آخر شيخاً مسنّاً ، فقال له :
يا شيخ ! من قيدك ؟ قال
: الذي خلّفته يفتل قيدك
280 - دخل أبو الحسن البتّي دار فخر الملك
أبي غالبٍ فوجد ابن البوّاب الخطاط جالساً على عتبة باب ، فقال : جلوس الأستاذ على
العتب رعايةٌ للنسب ؛ فغضب ابن البوّاب ، وقال : لو أن لي من أمر الدنيا شيئاً ما
مكنت مثلك من الدخول ؛ فقال البتي : ما تترك صنعة الشيخ رحمه الله ! 281 - قال
بكّار بن رباح : كان بمكة رجلٌ يجمع بين النساء والرجال ، ويعمل لهم الشراب ، فشكي
إلى أمير مكة ، فنفاه إلى عرفاتٍ ، فبنى بها منزلاً ، وأرسل إلى حرفائه : ما
يمنعكم أن تعاودوا ما كنتم فيه ؟ قالوا : وكيف وأنت بعرفات ؟ فقال : حمار بدرهمين
، وقد صرتم إلى الأمن والنّزهة ؛ فكانوا يركبون إليه ، حتى أفسد أحوال أهل مكة ،
فعادوا يشكونه إلى الوالي ، فأرسل إليه ، فأتي به ، فقال : يا عدو الله ! طردتك من
حرم الله فصرت بفسادك إلى المشعر الأعظم ! فقال : يكذبون عليّ ؛ فقالوا : دليلنا
أن نأمر بحمير مكةّ ، فتجمع ، ويرسل بها مع أمنائك إلى عرفات ، فإن لم تقصد منزله
من بين المنازل فنحن مبطلون ؛ فقال الوالي : إن هذا لشاهد ودليل ؛ فجمع الحمر ، ثم
أرسلها ، فصارت إلى منزله ، فقال الأمير : ما بعد هذا شيءٌ ؛ فجرّدوه ، فلما نظر
إلى السياط ، قال : لا بدّ لك من ضربني ؟ قال : نعم ، قال : والله
ما عليّ في ذلك أشد من أن يضحك منا أهل العراق ، ويقولون : أهل مكة يجيزون شهادة
الحمير ! فضحك الوالي
282 - قدّم طبّاخٌ إلى بعض الفطناء طبقاً
وعليه رغيفان ، ثم قال له : ما تشتهي أن أجيء به ؟ فقال : خبزٌ
283 - تكلم بعض القصاص ، فقال : في السماء
ملكٌ يقول كل يومٍ : ( لدوا للموت
وابنوا للخراب ** ) فقال بعض الفطناء : اسم ذلك الملك أبو العتاهية
284 - كان بعض الظرفاء إذا سمع أحداً يتحدث
حديثاً بارداً قال : اقطع حديثك
بخيرٍ
285 - حضر في مجلس أبي سعد بن أبي عمامة
رجلٌ من أهل اليمن ، فسأل أبا سعدٍ أن يطلب له شيئاً ، فطلب ، فلم يعطه أحدٌ شيئاً
، وكان مقصودهم بالامتناع أن يذكر الشيخ شيئاً يضحكون منه ، فقال أبو سعدٍ للسّائل
: من أين أنت ؟ فقال : من اليمن ؛ فقال له : تكذب ! لست من اليمن ؛ قال : بلى
والله ! فقال : لو كنت من اليمن لكان هؤلاء يعرفونك فيعطونك ؛ فضحك النّاس وأعطوه
؛ وكان مقصوده أنّ القرود من اليمن
286 - قيل لبعضهم : أتحبّ
أن تموت امرأتك ؟ قال : لا ، قيل : لم ؟ قال : أخاف أن أموت من الفرح
287 - ادّعى رجلٌ النبّوّة ، فقيل له :
أخرج لنا من الأرض بطيخةً ، فقال : اصبروا علىّ ثلاثة أيام ، قالوا : ما نريد إلا
السّاعة ، فقال : إنّ الله تعالى
يخرج البطيخة في ثلاثة أشهرٍ ، فلا تصبرون ثلاثة أيامٍ ؟ !
288 - ادعى رجلٌ النبّوّة وزعم أنّه نوحٌ ،
فصلب ، فمرّ به مجنونٌ ، فقال : يا نوح ! ما حصلت من سفينتك إلا على الدّقل
289 - ذكر أبو يوسف القزوينيُّ أنّ رجلاً
كان يقال له : هذيل بن واسع ، يزعم أنّه من ولد النّابغة الذبياني ، ادّعى النبّوة
، وزعم أن الله تعالى أوحى إليه ما يعارض به سورة الكوثر ، فقال له رجلّ : أسمعني
! فقال : إنّا أعطيناك الجواهر ، فصل لربّك وهاجر ، فما يؤذيك إلا فاجر ؛ فظهر
عليه القسري ، فقتله وصلبه ، فعبر عليه الرجل ، فقال : إنّا أعطيناك العمود ، فصلّ
لربّك من قعود ، بلا ركوعٍ ولا سجودٍ ، فما أراك تعود
290 - لطم رجلٌ الأحنف بن قيسٍ ، فقال له :
لم فعلت هذا ؟ قال : جعل لي جعلٌ على أن ألطم سيّد بني تميم ؛ فقال : ما صنعت
شيئاً ، عليك بحارثة بن قدامة ، فإنّه سيّد بني تميمٍ ؛ فانطلق ، فلطمه ، فقطع يده
، وذاك أراد الأحنف
291 - قال أحمد بن علي بن ثابتٍ : استعار
رجلٌ من أبي حامدٍ أحمد ابن أبي طاهر الأسفراييني الفقيه كتاباً ، فرآه أبو حامدٍ
يوماً قد أخذ عليه عنباً ، ثمّ إنّ الرّجل سأله بعد ذلك أن يعيره كتاباً ، فقال له
: تجيءُ إلى المنزل ، فأتاه ، فأخرج الكتاب إليه في طبقٍ وناوله إياه ،
فقال الرّجل : ما هذا ؟ قال له : هذا
الكتاب الذي طلبته ، وهذا الطّبق تضع عليه ما تأكله ؛ فعلم بذلك ما جنى
292 - قال أبو إسحاق الجهيمي : تنكر
الحجّاج وخرج ، فمرّ على المطّلب غلام أبي لهب ، فقال له : أي
شيءٍ خبر الحجاج ؟ فقال : على الحجاج لعنة الله ، قال : متى يخرج ؟ قال : أخرج
الله روحه من بين جنبيه ، قال : أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا الحجاج ، قال له :
أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا المطّلب غلام أبي لهبٍ ، معروفٌ بالصّرع ، أصرع في
كل شهرٍ ثلاثة أيّام ، اليوم أوّلها ؛ فتركه ومضى
293 - وانفرد الحجّاج يوماً عن عسكرهِ ،
فلقي أعرابياً فقال له : كيف الحجَّاج ؟
قال : ظالمٌ غاشم ، قال : فهلا شكوتموه إلى عبد الملك ؟ قال : هوأظلم وأغشم ؛
فأحاط به العسكر ، قال : أركبوا البدوي ؛ فلما ركب ، سأل عنه ، فقيل له : هذا
الحجَّاج ؛ فركض خلفه ، وقال : يا حجَّاج ! قال : ما
لك ؟ قال : السرُّ الّذي بيني وبينك لا يطَّلع عليه أحد ؛ فضحك منه وأطلقه
294 - قال محمد بن إسحاق : قيل لعمر بن عبد
العزيز : إنَّ في المدينة مخنّثاً قد أفسد نساءها ؛ فكتب إلى عاملهِ أن يحمله إليه
، فحمل ؛ فأدخل عليه ، فإذا شيخٌ خاضبٌ اللّحية والأطراف معتجرٌ ؛ فدخل ومعه دفٌّ
في خريطةٍ ، فلمّا وقف بين يديِّ عمر صعَّد فيه النَّظر
وصوَّبه ، ثمَّ قال : سوأةٌ لهذهِ
السن وهذهِ القامةِ ؛ ثمَّ قال له عمر : أتحفظ من المفصَّلُِ شيئاً ؟ قال : نعم ،
وما المفصَّلُ ؟ قال : ويلك ! أتقرأُ من القرآنِ شيئاً ؟ قال : أقرأُ ! ( الحمد )
! وأخطئ فيها موضعين أو ثلاثةٍ ، وأقرأُ ! ( قل أعوذ برب الناس ) ! وأخطئ فيها ،
وأقرأُ ! ( قل هو الله أحد ) ! مثل الماءِ الجاري ؛ قال : ضعوه في الحبسِ ،
ووكِّلوا بهِ معلِّماً يعلمه القرآن وما يجبُ عليهِ من الطَّهارةِ والصلاةِ ،
وأجروا عليه كلَّ يوم درهماً ، وعلى معلّمهِ ثلاثةً ، ولا يخرج مِن الحبس حتّى
يحفظ القرآن أجمع ؛ فكان كلّما علَّم سورةً نسيَ الَّتي قبلها ، فبعث رسولاً إلى
عمر : يا أمير المؤمنين ! وجه إلي من يحملُ إليك ما أتعلمه أولاً فأوّلاً ، فإنَّي
لا أقدر أن أحمله ؛ فقال عمر : ما أرى هذهِ الدَّراهم إلاّ لو أطعمناها جائعاً أو
كسونا بها عارياً كان أصلح ؛ ثمَّ دعا به ، فقال : أقرأ ! ( يا أيها الكافرون ) !
فقال : أسأل الله العافية ! أدخلت يدك في الجراب ، فأخرجت شَّرَّ ما فيه وأصعبه ؛
فأمر بوجىء عنقه ، ونفاه
295 - قال المبرّد : قدم بعض البصريين من
أصحاب أبي الهذيل بغداد ، وقال : لقيت مخنثّين ، فقلت لهما : أريد منزلاً ؛ وكان
هذا الرجل في نهاية القبح ، فقال أحدهما : بالله من أين أنت ؟ قلت : من البصرة ؛
فأقبل على الآخر ، فقال : لا إله إلاَ الله ، تحول يا أختي كل شيء من الدنيا ، حتى
هذا ! كانت القرود تجيء إلى بغداد من اليمن صارت تجيء من البصرة !
296 - قال أبو القاسم الرازي : سمعت أخي
أبا عبد الله يقول :
قام بنان الحمال إلى مخنّث ، فأمره
بالمعروف ، فقال له المخنث : ارجع
كفاك ما بك ، فقال له بنان : وما بي ؟ قال : خرجت من بيتك وفي نفسك أنك خير منَّي
297 - دخل رجل الحمَّام ، فإذا مخنثٌ بين
يديهِ خطميّ ، فقال الرّجل : أعطني من هذا قليلاً ؛ فأبى ، فقال الرَجل : كل قفيز
بدرهم ، فقال المخنث : كل أربعة أقفزةٍ بدرهم ، احسب حسابك ، كم يصيبك بلا شىءٍ ؟ !
298 - قيل لأبي الحارث جمّيز : ما تقول في
الفالوذجة ؟ قال : وددت أنها والموت اعتلجا في صدري ، والله لو أنَ موسى لقي فرعون
بفالوذجة لآمن ، لكنَه لقيه بعصا
299 - أدخل مخنث على العريان بن الهيثم ،
وهو أمير الكوفة ، فقال : يا عدو الله ! أتتخنث وأنت شيخ ! ؟ فقال : مكذوب علي كما
كذب علي الأمير ، فقال : وما قيل فيّ ؟ قال : يسمونك العريان ولك عشرون جبّة
300 - قال المتوكل يوماً لجلسائه : أتدرون
ما الذي نقم المسلمون على عثمان ؟ أشياءٌ ، منها أنه قام أبو بكر دون مقام رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] بمرقاة ، ثم قام عمر دون أبي بكر بمرقاة ، فصعد
عثمان ذروة المنبر ؛ فقال عبادة : ما
أحد أعظم منة عليك يا أمير المؤمنين من عثمان ؛ قال : وكيف ذلك ؟ قال : لأنّه صعد
ذروة المنبر ، فلو أنه كلما قام خليفةٌ نزل عمن تقدمه كنت أنت تخطبنا من بئر
جلولاء ؛ فضحك المتوكل ومن حوله
301 - قال أبو عثمان الخالدي : عملتُ قصيداً
أمدح سيف الدولة أبا الحسين ابن حمدانٍ ، وعرضتها على جماعةٍ ، أتعرّف ما عندهم
فيها ، فاتّفق أن حضر مخنّثٌ وأنا أقرأها ، فلمّا انتهيت إلى قولي : ( وأنكرت
شيبةً في الرّأس واحدةً ** فعاد يسخطها ما كان يرضيها ) قال : هذا غلطٌ ! يقول
للأمير : في الرّأس واحدةً ! ألا قلت : في الرّأس طالعةً أو لائحةً ؟ فعجبت من
فطنته وجودة خاطره وحسن عرافته
302 - قال الأصمعي : قيل
لطويس : ما بلغ من شؤمك ؟ قال : ولدت يوم توفي رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ،
وفطمت يوم توفي أبو بكر ، وختنت يوم مات عمر ، وراهقت يوم قتل عثمان ، وتزوّجت يوم
قتل علي وولد لي يوم قتل الحسين
303 - نظر جمّيز إلى برذونٍ تحت صديقٍ له
يقطف ، فقال : برذونك هذا يمشي على استحياء . 304 - قال
بعض الأدباء لصديقٍ له : أنت والله بستان الدنيا ،
فقال له الآخر : أنت النّهر الذي
يشرب منه ذلك البستان
305 - تظلم أهل الكوفة من عاملها إلى
المأمون ، فقال : ما علمت في عمّالي أعدل منه ؛ فقال رجلٌ من القوم : يا أمير
المؤمنين ! فقد لزمك أن تجعل لسائر البلدان نصيباً من عدله حتى تكون قد ساويت بين
رعاياك في حسن النظر ، فأمّا نحن ، فلا يخصنا أكثر من ثلاث سنين ؛ فضحك وصرفه
306 - قال عليّ بن مهديّ : مرّ طبيبٌ بأبي
الواسع المازني ، فشكا إليه ريحاً في بطنه ، فقال له : خذ الصّعتر ، فقال : يا
غلام ! دواةٌ وقرطاسٌ ؛ قال : قلت ماذا ؟ قال : كرّ صعترٍ ومكوك شعيرٍ ، قال : لم
تذكر الشعير أوّلاً ! قال : ولا علمت أنّك حمارٌ أيضاً إلا الساعة
307 - دعا بعض الظرفاء قوماً ، فتبعهم
طفيليّ ، ففطن به الرّجل ، فأراد أن يعلمهم أنّه قد فطن به ، فقال : ما أدري لمن
أشكر ؟ لكم إذ أجبتم دعوتي ، أو لهذا الذي تجشم من غير أن أدعوه ؟ 308 - قال يموت
بن المزرّع : قال لي سهل بن صدقةٍ ، وكانت بيننا مداعبةٌ : ضربك
الله باسمك ، فقلت له مسرعاً : أحوجك الله إلى اسم أبيك
309 - مرّ رجلٌ من الفطناء برجلٍ قائم في
طريقٍ ، فقال : ما وقوفك ؟ قال : أنتظر إنساناً ، قال : يطول وقوفك إذن
310 - تقدّم رجلٌ سيىء الأدب إلى حجّام ،
فقال له : تقدّم يا ابن الفاعلة وأصلح شاربي ، فقال له : إن كان خطابك للنّاس كذا
فعن قليلٍ تستريح منه
311 - قال عبد الرحمن بن مخلدٍ : دفعت
امرأة إلى رجل يقرأ عند القبور رغيفاً ، وقالت له : اقرأ
عند قبر ابني ؛ فقرأ ! ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ) ! [ 54
سورة القمر / الآية : 48 ]
قال : فقالت له : هكذا يقرأ عند
القبور ؟ ! فقال لها : فإيش أردت برغيفٍ ! ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق
وجنى الجنتين دان ) ! [ 55 سورة الرحمن / الآية : 54 ] ؟ ذاك بدرهم !
312 - حضر خيّاطٌ عند بعض الأتراك ليفّصل
له قباءً ، فأخذ يفصّل والتّركيّ ينظر إليه ، فما أمكنه أن يسرق شيئاً ، فضرط ،
فضحك التركي حتى استلقى ، فأخرج الخياط من الثوب ما أراد ، فجلس التركي ، فقال :
يا خيّاطّ ضرطةٌ أخرى ؛ فقال : لا يجوز ، يضيق القباء
313 - قدّم قومٌ غريماً لهم إلى الحاكم ،
فادّعوا عليه ، فقال :
صدقوا ! إلا أني سألتهم أن يؤخروني
حتى أبيع عقاري وأدفع إليهم ، فإن لي مالاً وعقاراً ورقيقاً وإبلاً ، فقالوا : كذب
، ما يملك شيئاً ، إنّما يريد دفعنا عن نفسه ، فقال : أيّها القاضي ! اشهد لي
عليهم
فعدمه ، ثمّ قال لخصومه : قد عدمته ؛
فأركب حماراً ، ونودي عليه : هذا معدمٌ ، فلا يعامله أحدٌ إلا بالنّقد ؛ فلمّا كان
العشاء ترك عن الحمار ، فقال له المكاريّ : هات أجرة الحمار ، قال : ففيم كنّا مذ
الغداة ؟ ! 314 - نظر بعض الحكماء إلى رجلٍ يرمي هدفاً ، وسهامه تذهب يميناً
وشمالاً ، فقعد في وجه الهدف ، فقيل له في ذلك ، فقال : لم أر موضعاً أسلم منه
315 - رمى رجلٌ عصفوراً ، فأخطأه ، فقال له
رجلٌ : أحسنت ؛ فغضب ، وقال : تهزأ بي ؟ قال : لا ! ولكن أحسنت إلى العصفور
316 - قيل لرجل : تحفظ القرآن ؟ قال : نعم
، قالوا : إيش أوّل الدّخان ؟ قال : الحطب الرّطب
317 - استأجر رجلٌ داراً ، فجعل خشب السقوف
يتفرقع ، فقال لمالك الدّار : أصلح هذا السقف ، فإنّ خشبه يتفرقع ؛ قال : لا بأس
عليك ، فإنّه يسبح ؛ قال : أخشى أن تدركه الرّقّة فيسجد
318 - وقف قومٌ على مزبدٍ ، وهو يطبخ قدراً
، فأخذ أحدهم قطعة لحم ، فأكلها ، وقال : تحتاج القدر إلى خلّ ؛ وأخذ آخر قطعة لحم
، فأكلها ، وقال : تحتاج القدر إلى أبزار ؛ وأخذ آخر قطعة لحم ، فأكلها ، وقال : تحتاج
القدر إلى ملحٍ ؛ فأخذ مزبد قطعة لحمٍ ، فأكلها ، وقال : تحتاج القدر إلى لحمٍ
319 - قام رجلٌ على رأس ملكٍ ، فقال : لم
قمت ؟ قال : لأقعد ؛ فولاه
320 - ومرّ رجلٌ بمزبدٍ وهو جالسٌ يتفكر ،
فقال له : في أي شيءٍ تتفكر ؟ قال : في الحج ، قد عزمت عليه السّنة ، قال : فما
أعددت له ؟ قال : التلبية ، فما أقدر على غيرها
321 - وزفّت إليه امرأة قبيحةٌ ، فقيل له :
بم تصبحّها ؟ قال : بالطلاق
322 - ونظر إلى قومٍ مكتفين يحملون إلى
السجن ، فقال : ما قصة هؤلاء ؟ قال : خيرٌ ! قال : فإن كان خيراً فكتفوني معهم ! !
323 - وغضب عليه بعض الولاة ، فأمر بحلق لحيته ، فقال له الحجّام : افتح فمك !
فقال : الأمير أمرك بحلق لحيتي أو تعلّمني الزمر ؟ 324 - قص قاصّ ، فقال : إذا مات
العبد وهو سكران ، دفن
وهو سكرانٌ ؛ وحشر وهو سكران ؛ فقال
رجلٌ في طرف الحلقة لآخر : هذا والله
نبيذٌ جيدٌ ، يسوى الكوز منه عشرين درهماً
325 - صلّى رجلٌ صلاة خفيفةً ، فقال له
الجمّاز : لو رآك العجّاج لسرّ بك ، فقال : ولم ؟ قال : لأن صلاتك رجزٌ
326 - قال الجمّاز لأبي شراعة : كيف تجدك ؟
قال : أجدني مريضاً
من دماميل قد خرجت في أقبح المواضع ، فقال : ما أرى في وجهك منها شيئاً !
327 - رأى المعتصم أسداً ، فقال لرجلٍ قد
أعجبه قوامه وسلاحه : أفيك خيرٌ ؟ فعلم أنّه يريد أن يقدمه إلى الأسد ، فقال : لا
يا أمير المؤمنين ؛ فضحك
328 - مرّ غرابٌ الماجن بسائل يقول : أنا
عليلٌ وأنا جائع ، فقال له : احمد ربّك ، فقد نقهت
329 - ضحى فضلٌ الوالي عن امرأته ستين سنةً
، فسمع يوماً محدثاً يحدث ، يقول : يحشر الناس يوم القيامة وبين أيديهم ضحاياهم ؛
فقال : إن كان كما تقول ، فإن امرأتي تحشر يوم القيامة راعيةً بعصاوين
330 - بلغني عن بعض الظراف المتماجنين أنّه
قال : لمّا صنع
السامريّ العجل ، قال إبليس : هذه
فضيحةٌ ! تعبد بقرةٌ ! الآن يلعنني الناس ويقولون : هذا عمله ، انظروا ما يقول
السّامريّ ! قالوا : قد قال : ! ( بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول
فنبذتها ) ! [ 20 سورة طه /
الآية : 96 ] ، قال : ثم أيش ؟ قالوا : قد قال : ! ( وكذلك سولت لي نفسي ) ! [ 20
سورة طه / الآية : 96 ] ، قال : استرحت أنا السّاعة من أن يقال عنّي
331 - قال محمد بن عبد الرحمن : دعا مدنياً
مرّةً أخٌ له ، فأقعده إلى العصر ، فلم يطعمه شيئاً ، فاشتدّ جوعه ، وأخذه مثل
الجنون ، فأخذ صاحب البيت العود ، وقال له : بحياتي ! أي صوتٍ تشتهي أن أسمعك ؟
قال : صوت المقلى
332 - كان بعض الظرفاء يجلس عند بقالٍ
ضعيفٍ ، لا يكاد يبيع إلا بخبز ، فجاءه رجلٌ ، فقال له : عندك بهذا الدينار قراضه
؟ فقال له الظريف : مرّ ، ثكلتك أمّك ! هذا قراضته كلّها يطرحها بن
333 - دخل ظريفٌ يصلّي في مسجدٍ ، فسرقوا
لالكته ، فخبّأوها في كنيسةٍ [ قرب ] المسجد
، ففتّش ، فرآها في الكنيسة ، فقال : ويحك ! لمّا أسلمت أنا تهودت أنت ! ؟ 334 -
بات رجلٌ في دار قومٍ ، فانتبه صاحب الدّار بالليل ،
فسمع ضحك الرّجل في الغرفة ، فصاح به
: يا فلانٌ ! قال : لبيك ؛ قال : كنت في الدار ، فما الذي رقّاك إلى الغرفة ؟ قال
: قد تدحرجت ؛ فقال : النّاس
يتدحرجون من فوق إلى أسفل ، فكيف تدحرجت أنت إلى فوقٍ ؟ قال : فمن
هذا أضحك
335 - قال صبي ليهودي : يا عمّ ! قف حتى
أصفعك ! قال : أنا مستعجلٌ ، اصفع أخي عنّي
336 - رئي فقيرٌ في قريةٍ ، فقيل : ما تصنع
هنا ؟ قال : ما صنع موسى والخضر
يعني قوله : ! ( استطعما أهلها ) ! [
18 سورة الكهف / الآية : 77 ]
337 - شتم رجلٌ رجلاً ، فقال المشتوم : إيش
قلت لك ؟ فأوهمه أنّه يستفهمه ، وإنّما ردّ عليه
338 - كان سابور وزير بهاء الدولة يكثر
الولاية والعزل ، فولّى بعض العمّال عكبرا ، فقال له : أيّها
الوزير ! كيف ترى ؟ أستأجر السفينة مصعداً ومنحدراً ؟ فتبسم وقال : امض
ساكتاً
339 - بلغني عن أبي سعدٍ ابن أبي عمامة ،
وكان من المتماجنين ، أن رجلاً قال له : رزقك الله قصراً يبين باطنه من ظاهره ؛
فقال : فنحن الآن قعودٌ في الطريق
340 - وقال له رجلٌ : تصدّق عليّ حتى أحيلك
على من يرى ولا يرى ؛ فقال : إذا لم ير ، فممّن أطلب ؟ 341 - قال رجلٌ لعض الظراف
: قد لدغتني عقربٌ ، فهل عندك لهذا دواءٌ ؟ فقال : الصياح إلى الصباح
342 - قال مصعب الزّبيري : أتي العريان
بسكرانٍ ، فقال له : من أنت ؟ فقال : ( أنا ابن الذي لا ينزل الدّهر قدره ** وإن
نزلت يوماً فسوف تعود ترى النّاس أفواجاً إلى ضوء ناره ** فمنهم قيامٌ حولها وقعود
) فخلاّه ، فإذا به ابن باقلاّويّ
343 - قال بعض الشعراء : ( إذا لم يكن في
البيت ملحٌ مطيّبٌ ** وزيتٌ وخلٌّ
حول حبّ دقيق ولم يك في كيسي دراهم جمّةٌ ** تنفد حاجاتي بكل طريق فرأس صديقي في
حر أمّ قرابتي ** ورأس عدوّي في حر أم صديقي ) 344 - قيل لأبي الحارث جمّيز : ما
فعل فلانٌ ؟ قال : مات ، قيل : ما
ورثت امرأته ؟ قال : أربعة أشهرٍ وعشراً
الباب الثاني
فيما يذكر عن
النساء من ذلك 345 - قالت عائشة :
قلت : يا رسول الله ! لو نزلت وادياً فيه شجرةٌ قد أكل منها ، ووجدت شجراً لم يؤكل
منها ، في أي شجرةٍ كنت ترتع بعيرك ؟ قال : ' في
التي لم ترتعي منها '
يعني أن النبي [ صلى الله عليه وسلم
] لم يتزوج بكراً غيرها
346 - قال ابن أبي الزّناد : كان عند أسماء
بنت أبي بكرٍ قميصٌ من قمص رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فلمّا قتل عبد الله
بن الزبير ذهب القميص فيما ذهب مما انتهب ، فقالت أسماء : للقميص أشدّ عليّ من قتل
عبدالله ؛ فوجد القميص عند رجلٍ من أهل الشام ، فقال : لا أردّه أو تستغفر لي
أسماء ؛ فقيل لها ، فقالت : كيف استغفر لقاتل عبد الله ؟ قالوا : فليس
يردّ القميص ! فقالت : قولوا له فليجيء
فجاء بالقميص ومعه عبدالله بن عروة ،
فقالت : ادفع القميص إلى عبد الله ؛ فدفعه ، فقالت : قبضت
القميص يا عبد الله ؟ قال : نعم ؛ قالت : غفر الله لك يا عبد الله ؛ وإنّما عنت
عبد الله بن عروة
347 - قال عبد الله بن مصعبٍ : قال عمر بن
الخطاب : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقيّة ، وإن كانت بنت ذي الغصّة ،
يعني : يزيد بن الحصين الحارثيّ ،
فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال ؛ فقالت امرأة : ما ذاك لك ! قال : ولم ؟ قالت
: لأنّ الله عزّ وجل قال : ( وءاتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ) [ 4
سورة النساء / الآية : 20 ]
فقال عمر : امرأة أصابت ورجلٌ أخطأ
348 - قال أبو الحسن المدائني : دخل عمران
بن حطّان يوماً على امرأته ، وكان قبيحاً دميماً قصيراً ، وقد تزيّنت ، وكانت
حسناء ، فلم يتمالك أن أدام النّظر إليها ، فقالت : ما شأنك ؟ قال : لقد أصبحت
والله جميلةً ، فقالت : أبشر ! فإني وإيّاك في الجنة ؛ قال : ومن أين علمت ؟ قالت
: لأنّك أعطيت مثلي فشكرت ، وابتليت بمثلك فصبرت ، والصّابر والشاكر في الجنة
349 - قال القحذميّ : دخل
ذو الرّمّة الكوفة ، فبينما هو يسير في بعض شوارعها على نجيبٍ له ، إذ رأى جاريةً
سوداء واقفةً على باب دار ، فاستحسنها ، فدنا منها ، فقال : يا جارية ! اسقني ماءً
؛ فأخرجت إليه كوزاً ، فشرب وأراد أن يمازحها ، فقال : ما
أحرّ ماءك ! فقالت : لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وتركت حرّ مائي وبرده ؛ فقال لها
: وأي شعري له عيبٌ ؟ فقالت : ألست ذا الرّمّة ؟ قال : بلى ! قالت :
( فأنت الذي شبّهت عنزاً بقفرةٍ ** لها
ذنبٌ فوق استها أمّ سالم جعلت لها قرنين فوق جبينها ** وطبيين مسّودين مثل المحاجم
وساقين إن يستمكنامنك يتركا ** بجلدك يا غيلان مثل المناسم أيا ظبية الوعساء بين
حلاحل ** وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم ) قال : نشدتك الله إلا أخذت راحلتي هذه
وما عليها ولم تظهري هذا ؛ ونزل عن راحلته ، فدفعها إليها ، وذهب ليمضي ، فدفعتها
إليه ، وضمنت له أن لا تذكر لأحد ما جرى
350 - عن ابن السّكّيت ، أن محمد بن عبد
الله بن طاهر عزم على الحج ، فخرجت إليه جاريةٌ شاعرةٌ ، فبكت لما رأت من آلة
السفر ، فقال محمد بن عبد الله : ( دمعةٌ
كاللؤلؤ الرّطب ** على الخدّ الأسيل هطلت في ساعة البين ** من الطّرف الكحيل ) ثم
قال لها : أجيزي ، فقالت : ( حين هم القمر الباهر ** عنّا
بالأفول إنّما يفتضح العشاق ** في وقت الرّحيل ) 351 - قال الأصمعي : جاءت عجوزٌ
إلى عبد الله بن جعفر ، فقال : كيف حالك يا عجوز ؟ قالت : ما في بيتي جرذٌ ؛ فقال
: لقد أطلقت المسألة ، لأملأن بيتك جرذاناً . 352 - قال
المبرّد : كنّا عند المازنّي ، فجاءته أعرابية كانت تغشاه
ويهب لها ، فقالت : أنعم الله صباحك
أبا عثمان ، هل بالرّمل أو شالٌ ؟ فقال لها : يجيء الله به ، فقالت : ( تعلمنّ
والذي حجّ القوم ** لولا خيالٌ
طارقٌ عند النوم والشوق من ذكراك ما جئت اليوم ** ) فقال المازني : قاتلها الله !
ما أفطنها ! جاءتني مستمنحةً ، فلمّا رأت أن لا شيء جعلت المجيء زيارةً تمنّ بها
عليً
قال اليشكري : الأوشال جمع وشلٍ ،
وهو : الماء القليل ، وهو مثلٌ هنا ، أي عندكم من ندى ؟ 353 - وقف المهديّ على
عجوزٍ من العرب ، فقال : ممّن أنت ؟ قالت : من طيّىء ، قال : ما منع طيئاً أن يكون
فيهم مثل حاتم ؟ فقالت : الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك ! فعجب
من جوابها ، ووصلها
354 - قال المأمون لزبيدة لمّا قتل ابنها : لن
تعدمي منه إلا عينيه ، وأنا ولدك مكانه ؛ فقالت : إن ولداً أفادنيك جديرٌ أن أجزع
عليه
355 - قال يموت بن المزرّع : قال لنا
الجاحظ : كنت مجتازاً في بعض الطرقات ، فإذا أنا بامرأتين ، وكنت راكباً على
حمارةٍ ، فضرطت الحمارة ، فقالت إحداهما للأخرى : ويّ ! حمارة الشيخ تضرط ! فغاظني
قولها فأعننت ثم قلت : إنّه ما حملتني أنثى قط إلا
ضرطت
فضربت بيدها على كتف الأخرى ، وقالت
: كانت أمّ هذا منه تسعة أشهرٍ في جهدٍ جهيد
356 - وقال الجاحظ : رأيت بالعسكر امرأةً
طويلةً جدّاً ونحن على الطعام ، فأردت أن أمازحها ، فقلت : أنزلي تأكلي معنا ،
فقالت : وأنت فاصعد حتى ترى الدّنيا
356 - قال الزبير بن بكارٍ : قالت
بنت أختي لأهلي : خالي خير رجلٍ لأهله ، لا يتخّذ ضرّةً ، ولا يشتهي جاريةً ؛ قالت
: تقول المرأة : والله لهذه الكتب أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر . 358 - قال
أبو القاسم عبيد الله بن عمر البقال : تزوّج شيخنا أبو عبد الله ابن المحرّم ،
وقال لي : لمّا حملت إليّ المرأة جلست في بعض الأيّام أكتب شيئاً على العادة ،
والمحبرة بين يديّ ، فجاءت أمّها ، فأخذت المحبرة ، فضربت بها الأرض ، فكسرتها ،
فقلت لها في ذلك ، فقالت : هذه شرّ على ابنتي من ثلاث مئة ضرّة
359 - أراد شعيب بن حربٍ أن يتزوّج امرأةً
، فقال لها : إني سيىء الخلق ، فقالت : أسوأ خلقاً منك من يحوجك إلى أن تكون سيىء
الخلق
360 - اعترض رجلٌ جاريةً ، ليشتريها ، فقال
لها : بيدك صنعةٌ ؟ فقالت : لا ! ولكن برجلي ؛ تعني : إنها رقاصةً
361 - خاصمت امرأةٌ زوجها ، وقالت : طلقني
! فقال : فأنت حبلى ، إذا ولدت طلقتك ! فقالت : ما عليك منه ! قال : فإيش تعملين
به ؟ قالت : أقعده باب الجنة فقاعى ؛ فقالوا لعجوز : ما معنى هذا ؟ قالت : تعني :
إنّها تشرب ماء السذاب ، وتتحمل به حتى يسقط ، فيلحق بالجنّة ، فيكون كالفقاعى
362 - عرض على المتوكل جاريةً ، فقال لها :
بكرٌ أنت أم إيش ؟ فقالت : أم إيش ؛ فضحك وابتاعها
363 - عرض على رجل جاريتان : بكرٌ وثيبٌ ،
فاختار البكر ، فقالت الثيب : ما
بيني وبينها إلا يومٌ ، فقالت البكر : ! ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون )
! [ 22 سورة الحج / الآية : 47 ] فاشتراها
364 - خرج رجلٌ ، فقعد يتفرّج على الجسر ،
فأقبلت امرأةٌ من جانب الرّصافة متوجّهة إلى الجانب الغربي ، فاستقبلها شابٌ ،
فقال لها : رحم الله علي بن الجهم ؛ فقالت المرأة : رحم الله أبا العلاء المعري ؛
ومرّا
قال : فتبعت المرأة ، وقلت لها : إن
لم تقولي ما قلتما فضحتك
فقالت : قال لي : رحم الله عليّ بن
الجهم يريد قوله : ( عيون المها بين الرصافة والجسر ** جلبن الهوى من حيث أدري ولا
أدري ) وأردت بترحمي على أبي العلاء قوله : ( فيا دارها بالحزن إن مزارها ** قريبٌ
ولكن دون ذلك أهوال ) 365 - غضب المأمون على طاهر بن عبد الله ، فأراد طاهرٌ أن
يقصده ، فورد كتابٌ له من صديقٍ له ، ليس فيه إلا السلام ، وفي حاشيته : يا
موسى ! فجعل يتأمّله ولا يعلم معنى ذلك ، وكانت له جارية فطنةٌ ، فقالت : إنه
يقول : ! ( يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ) ! [ 28 سورة القصص / الآية : 20
] فتثبط عن قصد المأمون
366 - قال بعضهم : حضرت مغنيّتين ، فكانت
إحداهما تعبث بكل من تقدر عليه ، والأخرى ساكتةٌ ، فقلت للساكتة : رفيقتك هذه ما
تستقر مع واحدٍ ؛ فقالت : هي تقول بالسنّة والجماعة ، وأنا أقول بالقدر
367 - خاصمت امرأة زوجها في تضييقه عليها ،
فقالت : والله ما يقيم الفأر في بيتك إلا لحب الوطن ، وإلا فهن يسترزقن من بيوت
الجيران
368 - جاءت دلالةٌ إلى رجلٍ ، فقالت : عندي
امرأة كأنها طاقة نرجسٍ ؛ فتزوّجها ، فإذا هي عجوزٌ قبيحةٌ ، فقال للدلالة :
غششتني ،
فقالت : لا والله ! إنما شبهتها
بطاقة نرجسٍ لأنّ شعرها أبيضٌ ، ووجهها أصفرٌ ، وساقها أخضر
369 - أعطت امرأة جاريتها درهماً ، وقالت : اشتري
به هريسةً ؛ فرجعت ، وقالت : يا سيدتي ! ضاع الدرهم ؛ فقالت : يا فاعلة ! أتكلميني
بفمك كله وتقولين ضاع الدرهم ! فأمسكت الجارية بيدها نصف فمها ، وقالت بالنصف
الآخر : وانكسرت الغضارة
370 - وقال رجل لجاريةٍ أراد شراءها : كم
دفعوا فيك ؟ فقالت : ! ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) ! [ 74 سورة
المدثر / الآية : 31 ]
371 - قال أبو بكر ابن عيّاش : كان بالكوفة
رجلٌ قد ضاق معاشه ، فسافر ، وكسب ثلاث مئة درهم ، فاشترى بها ناقةً فارهةً ،
وكانت زعرةً ، فأضجرته ، واغتاظ منها ، فحلف بالطلاق ليبيعنّها يوم يدخل الكوفة
بدرهم ، ثمّ ندم ، فأخبر زوجته بالحال ، فعمدت إلى سنّور ، فعلّقتها في عنق
النّاقة ، وقالت : ناد عليها : من يشتري هذا السنور بثلاث مئة درهم والنّاقة بدرهم
! ولا أفرق بينهما ؛ ففعل ، فجاء أعرابيٌّ ، فقال : ما أحسنك ! لولا هذا البتيارك
الذي في عنقك
372 - قال زكريا بن يحيى السّاجيّ : اشترى
رجلٌ من أصحاب القاضي العوفي جاريةً ، فعصته ولم تطعه ، فشكى ذلك إلى العوفي ،
فقال : انفذها إليّ حتى أكلمها ؛
فأنفذها إليه ، فقال لها : يا عروب ! يا لعوب ! يا ذات الجلابيب ! ما هذا التمنع
المجانب للخيرات ، والاختيار للأخلاق المشنوآت ؟ قالت له : أيّد الله القاضي !
ليست لي فيه حاجةٌ ؛ فمره يبيعني ! فقال : يا منية كل حكيم ، وبحاثٍ عن اللّطائف
عليم ، أما علمت أنّ فرط الاعتياصات ، من الموموقات ، على طالبي المودّات ؟ فقالت
له الجارية : ليس في الدنيا أصلح لهذه العثنونات المنتشرات على صدور أهل الرّكاكات
من المواسي الحالقات ؛ وضحكت وضحك أهل المجلس ؛ وكان العوفي عظيم اللحية
373 - قال الجاحظ : طلب المعتصم جاريةً
كانت لمحمود الورّاق ، وكان نخاساً ، بسبعة آلاف دينارٍ ، فامتنع محمودٌ من بيعها
، فلما مات محمود اشتريت للمعتصم من ميراثه بسبع مئة دينار ، فلما دخلت إليه ، قال
لها : كيف رأيت ؟ تركتك حتى اشتريتك من سبعة آلافٍ بسبع مئةٍ ! قالت : أجل ! إذا
كان الخليفة ينتظر لشهواته المواريث ، فإنّ سبعين ديناراً كثيرةٌ في ثمني فضلاً عن
سبع مئةٍ ؛ فأخجلته
374 - قال رجلٌ لنسوةٍ : إنّكنّ صواحب يوسف
، فقلن : فمن رماه في الجبّ ، نحن أو أنتم ؟ 375 - وقفت امرأة قبيحة على عطارٍ
ماجنٍ ، فلما رآها ، قال :
! ( وإذا الوحوش حشرت ) ! [ 81 سورة
التكوير / الآية : 5 ] فقالت : ! (
وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ) ! [ 36 سورة يس / الآية : 78 ]
376 - رأى رجلٌ امرأةً قد خضبت رؤوس
أصابعها وشنترتها ، فقال : ما أحسن هذا الزيتون ! فقالت : فكيف لو رأيت قالب الجبن
؟ ! 377 - حكي لنا أنّه كان لجعفر بن يحيى ، خاتمٌ منقوشٌ عليه ( جعفر بن يحيى ) ،
فنادى أن لا ينقش أحدٌ على خاتمه ( جعفر بن يحيى ) فجاءت جاريةٌ إلى نقّاش ، فقالت
له : أريد أن تنقش
لي على هذا الخاتم إذا حضرت عندك ما أقوله لك ؛ فحضرت ، وقد أوصت خادمين أن يصيح
أحدهما في أوّل السوق : جعفر ، ويصيح الآخر في آخر السّوق : يحيى ! فقالت : انقش
لي ما تسمعه من أوّل صائح يصيح الآن ، فصاح أحدهما : جعفر ، فقال : ما يمكنني أن أنقش
جعفر ! فصاح الآخر : يحيى ، فقالت : انقش الآن جعفر بن يحيى ؛ فنقشه
387 - قال أبو حنيفة : خدعتني امرأة أشارت
إلى كيس مطروح في الطريق ، فتوهّمت أنّه لها ، فحملته إليها ، فقالت : احتفظ به
حتى يجيء صاحبه
379 - قال رجلٌ لامرأته : أمرك بيدك ؛
فقالت : قد كان في يدك عشرين سنةً ، فحفظته ، فلا أضيعه أنا في ساعةٍ ، وقد رددته
إليك ؛ فأمسكها
380 - بكت عجوزٌ على ميتٍ ، فقيل لها :
بماذا استحق هذا منك ؟ فقالت : جاورنا وما فينا إلا من تحل له الصّدقة ، ومات وما
فينا إلا من تجب عليه الزكاة
381 - كان رجلٌ يقف تحت روشن امرأةٍ ، وهي
تكره وقوفه ، فجاء في بعض الأيام وعليه قميصٌ دبيقيٌ ، قد غسله عند المطري ، وسقاه
نشاءً ، وهو لبيسٌ ، وتحته قميصٌ روميٌّ كذلك ؛ وكان للنّاس أترجٌ سوسيٌ ، في
الأترجة ثلاثون رطلاً ، فأخرجت بطيخة كافور ، وأشارت إليه : تعال خذ هذه ؛ فجاء ،
فوقف تحت الرّوشن ، فقالت : أمسك حجرك صلباً حتى لا يقع فينكسر ؛ فلزم حجره ،
فأخرجت البطيخة كأنها ترمي بها ، فرمت أترجّته في حجره ، فلم يردّه شيءٌ سوى الأرض
، وبقي ما في القميص على رقبته وأكتافه ، فهرب مستحيياً وما عاد بعدها
382 - قال رجلٌ لرجلٍ : قد جرحني المزين في
رقبتي ؛ فقالت امرأة : هذا حتى لا
يتمرمر
تعني أنّه كذا يصنع بالقرع
الباب الثالث
فيما ذكر عن
الصبيان من ذلك 383 - قال الزبير بن
بكارٍ : كان ابن الزبير يلعب مع الصبيان وهو صبي ، فمر رجلٌ فصاح عليهم ، ففروّا ،
ومشى ابن الزبير القهقرى ، وقال : يا صبيان ! اجعلوني أميركم ؛ وشدوا عليه
384 - ومرّ به عمر بن الخطّاب وهو يلعب مع
الصبيان ، ففرّوا ووقف ، فقال له : مالك لم تفرّ مع أصحابك ؟ قال : يا
أمير المؤمنين ! لم أجرم فأخاف ، ولم يكن الطريق ضيّقة فأوسع عليك
385 - قال علي ابن المديني : خرج سفيان بن
عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجرٌ ، فقال : أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن
سعيدٍ ، وجالس ضمرة أبا سعيد الخدريّ ؛ وجالست عمرو بن دينارٍ ، وجالس جابر بن عبد
الله ؛ وجالست عبدالله بن دينارٍ ، وجالس ابن عمر ؛ وجالست الزهري ، وجالس أنس بن
مالكٍ ؛ حتى عدّ جماعة ، ثم أنا أجالسكم ! فقال له حدثٌ في المجلس : انتصف يا أبا
محمدٍ ! قال : إن شاء الله ؛ قال : والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله [ صلى
الله عليه وسلم ] بك أشدّ من شقائك بنا ؛ فأطرق وتمثّل بشعر أبي نواسٍ :
( خل جنبيك لرام ** وامض عنه بسلام مت
بداء الصمت خيرٌ ** لك من داء
الكلام ) فسأل : من الحدث ؟ قالوا : يحيى بن أكثم ؛ فقال سفيان : هذا
الغلام يصلح لصحبة هؤلاء
يعني : السلاطين
386 - قال أبو عاصم النبيل : رأيت أبا
حنيفة في المسجد الحرام يفتي وقد اجتمع النّاس عليه ، وآذوه ، فقال : ما ههنا أحدٌ
يأتينا بشرطيّ ؟ فقلت : يا أبا حنيفة ! تريد شرطياً ؟ ! قال : نعم ! فقلت : اقرأ
عليّ هذه الأحاديث التي معي ؛ فقرأها ، فقمت عنه ، ووقفت بحذائه ، فقال لي : أين
الشرطيّ ؟ فقلت له : إنّما قلت : تريد
، لم أقل لك : أجيء به ؛ فقال : انظروا ! أنا أحتال للنّاس منذ كذا وكذا ، وقد
احتال عليّ هذا الصبّي
387 - قال ثمامة : دخلت إلى صديق أعوده ،
وتركت حماري على الباب ، ولم يكن معي غلامٌ يحفظه ، ثمّ خرجت ، وإذا فوقه صبيّ ،
فقلت : أركبت حماري بغير إذني ؟ ! قال : خفت أن يذهب فحفظته لك ؛ قلت : لو ذهب كان
أحب لي من بقائه ؛ قال : إن كان هذا رأيك فيه ، فاعمل على أنّه قد ذهب وهبه لي
واربح شكري ؛ فلم أدر ما أقول
388 - قال الأصمعي : قال رجلٌ من أهل
الشّام : قدمت المدينة ؛ فقصدت منزل إبراهيم ابن هرمة ، فإذا بنتٌ له صغيرةٌ تلعب
بالطين ، فقلت لها : ما فعل أبوك ؟ قالت : وفد إلى بعض الأجواد ، فما
لنا منه علمٌ منذ مدةٍ ؛ فقلت :
انحري لنا ناقةً ، فإنّا أضيافك ؛ قالت : والله ما عندنا ، قلت : فشاةً ، قالت :
والله ما عندنا ، قلت : فدجاجةً ، قالت
: والله ما عندنا ، قلت : فأعطنا بيضةً ، قالت : والله ما عندنا ، قلت : فباطلٌ ما
قال أبوك : ( كم ناقةٍ قد وجأت منحرها ** بمستهل الشؤبوب أو جمل ) قالت : فذاك
الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى ليس عندنا شيءٌ
389 - قال بشرٌ الحافي : أتيت باب المعافى
بن عمران ، فدققت الباب ، فقيل لي : من ؟ فقلت : بشرٌ الحافيٌ ؛ فقالت لي بنية من
داخل الدار : لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم الحافي
390 - قال الأصمعي : بينا أنا في بعض
البوادي ، إذا أنا بصبي - أو قال : صبيةٍ - معه قربةٌ قد غلبته ، فيها ماءٌ ، وهو
ينادي : يا أبةِ أدرك فاها ، غلبني فوها ، لا طاقة لي بفيها ؛ قال : فوالله قد جمع
العربية في ثلاث
391 - قال الأصمعي : وقلت لغلامٍ حدثٍ من
أولاد العرب : أيسرّك أن يكون لك مئة ألف درهم وأنّك أحمقٌ ؟ قال : لا ، والله ؛
قلت : لم ؟ قال : أخاف أن يجني عليّ حمقي جنايةً تذهب مالي وتبقي عليّ حمقي
392 - لقي صبي رجلاً غافلاً ، فقال له
الصبي : إلى أين تمضي ؟
فقال : إلى المطبق ، فقال : أوسع
خطواتك
393 - ركب المعتصم إلى خاقان يعوده ،
والفتح صبي يومئذٍ ، فقال له المعتصم : أيّما أحسن : دار
أمير المؤمنين أو دار أبيك ؟ فقال : إذا كان أمير المؤمنين في دار أبي ، فدار أبي
أحسن ؛ وأراه فصّاً في يده ، فقال : رأيت يا فتح أحسن من هذا الفصّ ؟ فقال : نعم !
اليد التي هو فيها
394 - ذبح رجلٌ بخيلٌ دجاجةً ، فدعاه صديقٌ
له ، فأمر بالدّجاجة فرفعت ، وبات عند صديقه ، فلمّا جاء دعا بالدّجاجة ، فإذا هي
منزوعة الفخذ ، فقال : من هذا الذي تعاطى فعقر ؟ فامتنعوا أن يخبروه ، فقال
لقهرمانه : اقطع خبزهم ونفقاتهم ؛ فوثب غليمّ له صغير ، وقال : ! ( أتهلكنا بما
فعل السفهاء منا ) ! [ 7 سورة الأعراف / الآية
: 155 ] فردّ عليهم خبزهم
395 - قعد صبيّ مع قومٍ يأكلون ، فجعل يبكي
، فقالوا : ما لك ؟ قال : الطعام حارُّ ، قالوا : فدعه حتى يبرد ، فقال : أنتم ما
تدعونه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق